للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذا ذكره الإمام المحبوبي -رحمه الله- أيضًا: وجوب منع حضورهن الجماعات في زماننا فكان هذا نظير إغلاق باب المسجد فقال: والحكم جاز أن يختلف باختلاف أحوال الناس، فذكر هذه المسألة في عامة الكتب سوى كتابنا هذا في صلاة العيدين لما أن الأصل إباحة الخروج لهن فيها إما لتكثير السواد على ما روي المعلى (١) عن أبي يوسف عن أبي حنيفة أو للصلاة على ما روى الحسن عن أبي حنيفة، كذا في «المبسوط» (٢).

قوله -رحمه الله-: ولا يصلي الطاهر خلف من هو في معنى المستحاضة إلى آخره.

والأصل في جنس هذه المسائل أن المقتدي إذا كان أقوى حالًا من الإمام لا يجوز صلاته/ وإن كان دونه أو مثله جاز؛ لأن المقتدي إذا قدر على أركان لم يقدر الإمام عليها كان المقتدي فيها كالمنفرد قبل فراغ الإمام عن الصلاة لانعدام جواز بناء القوي على الضعيف، والانفراد في موضع الاقتداء قاطع للصلاة إذا ثبت هذا فتقول (٣): لا يصح اقتداء اللابس بالعاري، والقاري بالأمي والأخرس، والساجد (٤) بالمومئ، والصحيح بصاحب العذر، والرجل بالمرأة لفوات الشرط وهو تأخير المرأة (٥)، كذا ذكر قاضي خان -رحمه الله- في "الجامع الصغير"، وذكر في فتاواه ولا يصح اقتداء الأمي بالأخرس، ويصح اقتداء الأخرس بالأمي (٦).

[[حكم اقتداء الأمي بالأخرس]]

وقال في «المحيط» (٧): قال بعض مشايخنا: إنما لا يصح اقتداء الأمي بالأخرس؛ لأن الأخرس لا يأتي بالتحريمة، وهي فرض، والأمي يأتي بها فصار كاقتداء القارئ بالأمي، الأمي إذا اقتدى بالقارئ فتعلم سورة في وسط الصلاة. قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل -رحمه الله- (٨): لا تفسد صلاته؛ لأن صلاته كانت بقراءة، وقال غيره: تفسد صلاته؛ لأنه يقوي حاله (٩)، ثم ذكر بعد هذا أن صلاة الإمام في جنس هذه المسائل جائزة إلا إذا كان الإمام أميًّا واقتدى به قارئ، فإن صلاة الأمي لا تجوز، وكذا الأخرس إذا اقتدى به الأمي فإنه لا يجوز صلاة الأخرس أيضًا، وفي كل موضع لا يجوز الاقتداء هل يكون شارعًا في صلاة نفسه؟ في رواية باب الحدث لا يكون شارعًا، وكذا في زيادات الزيادات (١٠) حتى لو ضحك قهقهة لا ينتقص طهارته، وفي رواية باب الأذان يصير شارعًا قبل ما ذكر في باب الحدث قول محمد، وما ذكر في باب الأذان قولهما بناء على أن فساد الجهة يوجب فساد التحريمة في قول محمد وعلى قولهما لا يوجب (١١).


(١) هو: المعلى بن منصور الرازي، أبو يعلى: من رجال الحديث، المصنفين فيه. ثقة نبيل، من أصحاب أبي يوسف ومحمد بن الحسن، صاحبي أبى حنيفة. حدث عنهما وعن غيرهما، وأخذ عنه كثيرون. وطلب للقضاء غير مرة فأبى. قال ابن حبان في الثقات: كان ممن جمع وصنف. وقال أبو داود: كان أحمد بن حنبل لا يروي عنه، للرأي. أصله من الري. سكن بغداد توفي سنة ٢١١ هـ. من كتبه (النوادر) و (الأمالي) كلاهما في الفقه.
ينظر: التاريخ الكبير (٧/ ٣٩٤)، تاريخ بغداد (١٣/ ١٨٨)، سير أعلام النبلاء (١٠/ ٣٦٧).
(٢) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي: ٢/ ٧٤.
(٣) في (ب): فنقول.
(٤) في (ب): زيادة الراكع.
(٥) يُنْظَر: العناية شرح الهداية: ١/ ٣٦٦، ٣٦٧.
(٦) يُنْظَر: الفتاوى الهندية: ١/ ٨٦، وشرح فتح القدير: ١/ ٣٦٧.
(٧) يُنْظَر: المحيط البرهاني: ٢/ ١٠٦.
(٨) هو: محمد بن الفضل أبو بكر الفضلي الكماري، نسبة إلى كمار قرية ببخارى. فقيه، مفت. قال اللكنوي: كان إماما كبيرا وشيخا جليلا معتمدًا في الرواية مقلدا في الدراية، ومشاهير كتب الفتاوى مشحونة بفتاواه ورواياته، أخذ الفقه عن عبد الله السبذموني، وأبي حفص الصغير وغيرهما. وتفقه عليه القاضي أبو علي الحسين بن الخضر النسفي، والحاكم عبد الرحمن بن محمد الكاتب وعبد الله الخيزاخزي وغيرهم.
ينظر: الجواهر المضية (٢/ ١٠٧)، الفوائد البهية (ص ١٨٤).
(٩) يُنْظَر: الفتاوى الهندية: ١/ ٨١، والمحيط البرهاني: ٢/ ٦٤.
(١٠) كتاب الزيادات لمُحَمَّد بن الحسن الشَّيْبَانِيّ -رحمه الله- ولا يزال مخطوطاً وقد جمعه أبي يعقوب يُوسُف بن علي بن مُحَمَّد الجرجاني الحنفي في كتاب (خزانة الأكمل في الفروع) وهو ست مجلدات. ذكر انه محيط بجل مصنفات الأصحاب بدأ بكافي الحاكم ثُمَّ بالجامعين ثُمَّ بالزيادات ثُمَّ بمجرد ابن زياد والمنتقى والكرخي وشَرْح الطَّحَاوِيِّ وعيون المسائل وغير ذلك.
(١١) يُنْظَر: تبيين الحقائق: ١/ ١٤٢، وشرح فتح القدير: ١/ ٣٦٧.