للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التطوع قاعدًا فيقرأه وورده حتى إذا بقي عشر آيات أو نحوها قام وأتم قرأته ثم ركع وسجد» (١)، وهكذا كان يفعل في الركعة الثانية، فقد انتقل من القعود إلى القيام، ومن القيام إلى القعود، فدل أن ذلك جائز في التطوع، وهذا يشكل على قول محمد فإن عنده التحريمة المنعقدة للقعود لا تكون منعقدة للقيام حتى أن المريض إذا قدر على القيام في وسط الصلاة، فسدت صلاته عنده، ومع ذلك جوزه هاهنا، وذلك أما إن ثبت ذلك بالحديث الذي روينا أو لأن المريض ما كان قادرًا على القيام وقت الشروع في الصلاة (٢) فانعقدت تحريمته للقيام، فأما في صلاة التطوع كان قادرًا على القيام، فانعقدت تحريمته القيام، ويجوز هو في صلاة التطوع لأن افتتاح صلاة التطوع قاعدًا مع القدرة على القيام جائز بالاتفاق لما روينا من حديث عائشة، كذا في «المبسوط» (٣)، و «المحيط» (٤).

[[صلاة النافلة على الدابة]]

ومن كان/ خارج المصر يتنفل على دابته إلى أي جهة توجهت، ثم قيل: هل يشترط التوجه إلى القبلة عند ابتداء الصلاة قال في «المحيط» (٥): ومن الناس من يقول: إنما يجوز التطوع على الدابة إذا توجه إلى القبلة عند افتتاح الصلاة، ثم تركها وانحرف عنها، وأما إذا افتتح الصلاة إلى غير القبلة لا يجوز؛ لأنه لا ضرورة في حالة (٦) الابتداء إنما الضرورة في حالة البقاء إلا أن أصحابنا لم يأخذوا به لأنه لا تفصيل في النص. وصرح في «الإيضاح» بأن القائل به الشافعي، وقال: استقبال القبلة في الابتداء ليس بواجب، وقال الشافعي رحمه الله: هو واجب (٧). وذكر في «الخلاصة»: أن كيفية الصلاة على الدابة أن يصلي بالإيماء ويجعل السجود أخفض من الركوع (٨) من غير أن يضع رأسه على شيء سائرة دابته أو واقفة (٩).

قلت: ذكر في عامة الروايات رواية «المبسوط» (١٠)، و «الإيضاح»، وغيرهما (١١): أن صلاة التطوع على الدابة تجوز من غير عذر بخلاف المكتوبة، وشرط عذر عدم إمكان وقف الدابة في «المحيط» (١٢)، فقال بعد ذكر صلاة (١٣) التطوع: ولو أومئ على الدابة، وهي تسير لم يجز إذا قدر أن يقفها، وإن تعذر الوقف جاز؛ لأن سير الدابة مضاف إلى راكبها، ويتحقق بسبب ذلك اختلاف المكان، فلا يتحمل إلا عند تعذر الوقف، وفي «المبسوط» (١٤): وإن كان على سرجة قذر فكذلك يجوز صلاته، وكان محمد بن مقاتل (١٥) وأبو حفص الكبير رحمه الله يقولان: لا يجوز إذا كانت النجاسة في موضع الجلوس أو في موضع الركابين أكثر من قدر الدرهم اعتبارا للصلاة على الدابة بالصلاة على الأرض، وأكثر مشايخنا يقولون: يجوز لما قال في الكتاب: والدابة اشد من ذلك يعني إن باطنها لا تخلو عن النجاسات ويترك عليها الركوع والسجود مع التمكن من النزول والاداء، والأركان أقوى من الشرائط، فإذا سقط اعتبار الأركان هاهنا لحاجته، فشرط طهارة المكان أولى ثم الإيماء لا يصيب موضعه إنما هو إشارة في الهواء، وإنما يشترط طهارة الموضع الذي يؤدي عليه ركنًا، وهو لا يؤدي على موضع سرجة وركابيه ركنًا فلا يضره نجاستها.


(١) رواه النسائي في سننه (١٦٤٨)، كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب كيف يفعل إذا افتتح الصلاة قائمًا. قال الألباني: صحيح.
(٢) - ساقط من (وقت الشروع في الصلاة).
(٣) انظر: المبسوط للسرخسي: ١/ ٣٨٣.
(٤) انظر: المحيط البرهاني: ٢/ ١٤٧، ١٤٨.
(٥) انظر: المحيط البرهاني: ٢/ ١٣٧.
(٦) - في ب حال بدل من حالة
(٧) انظر: رد المحتار: ٢/ ٣٩.
(٨) - ساقط من ب (ويجعل السجود أخفض من الركوع).
(٩) انظر: الفتاوى الهندية: ١/ ١٤٣.
(١٠) انظر: المبسوط للسرخسي: ١/ ٤٥٨.
(١١) انظر: العناية شرح الهداية: ١/ ٤٦٣، والفتاوى الهندية: ١/ ١٤٣.
(١٢) انظر: المحيط البرهاني: ٢/ ١٣٧.
(١٣) - ساقط من ب (صلاة)
(١٤) انظر: المبسوط للسرخسي: ١/ ٤٥٨.
(١٥) هو: محمد بن مقاتل المروزي، أبو الحسن الكسائي. يروي عن ابن المبارك. حدثنا عنه محمد بن عبد الرحمن الشامي. مات في آخر سنة ست وعشرين ومائتين، وكان متقنًا.
(ثقات ابن حبان: ٩/ ٨١)، و (التاريخ الكبير: ١/ ٢٤٢)، و (الجرح والتعديل: ٨/ ١٠٥).