للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قُلْتُ: عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ؛ كَانَ اسْتِحْسَانُ الْمُتَأَخِّرِينَ، إِحْدَاثًا بَعْدَ إِحْدَاثٍ، فَإِنَّ التَّثْوِيبَ الْأَصْلِيَّ؛ كَانَ "الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ"؛ لَا غَيْر فِي أَذَانِ الْفَجْرِ، أَوْ بَعْدَ أَذَانِ الْفَجْرِ، فَأَحَدَثَ عُلَمَاءُ الْكُوفَةِ؛ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ (١) حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، لَكِنْ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ خَاصَّةً، مَعَ إِبْقَاءِ الْأَوَّلِ، واحْدَثَ الْمُتَأَخِّرُونَ التَّثْوِيبَ؛ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، عَلَى حَسَبِ مَا تَعَارَفُوهُ، فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ؛ سِوَى صَلَاةِ المغرب، مَعَ إِبْقَاءِ الْأَوَّلِ؛ وَهُوَ قَوْلُهُ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ؛ فِي أَذَانِ الْفَجْرِ.

[حكم تخصيصُ الْأَمِيرَ بِالتَّثْوِيبِ]

قَوْلُهُ -رحمه الله-: (قَالَ أَبُو يُوسُفَ -رحمه الله-: لَا أَرَى بَأْسًا بِأَنْ يَقُولَ الْمُؤَذِّنُ لِلْأَمِيرِ) إِلَى آخِرِهِ

وَفِي " الْمَبْسُوطِ ": (وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ (٢) -رحمه الله-: [بأنَّه] (٣) لَا بَأْسَ بِأَنْ يَخُصَّ الْأَمِيرَ بِالتَّثْوِيبِ؛ فَيَأْتِي بَابَهُ فَيَقُولَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْأَمِيرُ؛ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، مَرَّتَيْنِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، مَرَّتَيْنِ، الصَّلَاةُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ؛ لِأَنَّ الْأُمَرَاءَ، لَهُمْ زِيَادَةُ اهْتِمَامٍ بِأَشْغَالِ (٤) الْمُسْلِمِينَ، وَرَغْبَةٌ (٥) فِي الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ/ فَلَا بَأَسَ؛ بِأَنْ يُخَصُّوا بِالتَّثْوِيبِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ -رضي الله عنه-؛ لَمَا كَثُرَ (٦) اشْتِغَالُهُ؛ نَصَّبَ مَنْ يَحْفَظُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ (٧)، غَيْرَ أَنَّ مُحَمَّدًا كَرِهَ هَذَا، وَقَالَ: أُفًّ (٨) لِأَبِي يُوسُفَ -رحمه الله- حَيْثُ (٩) خَصَّ الْأُمَرَاءَ؛ بِالذِّكْرِ وَالتَّثْوِيبِ، لِمَا أَنَّ عُمَرَ -رضي الله عنه- حِينَ حَجَّ، أَتَاهُ مُؤَذِّنُ مَكَّةَ؛ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ، فَانْتَهَرَهُ؛ وَقَالَ: أَلَمْ يَكُنْ فِي أَذَانِكَ مَا يَكْفِينَا) (١٠)؟! وَفِي " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " لِقَاضِي خَانَ -رحمه الله-: (وَإِنَّمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ ذَلِكَ؛ فِي أُمَرَاءِ زَمَانِهِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مَشْغُولِينَ، بِالنَّظَرِ (١١) فِي أُمُورِ الرَّعِيَّةِ، فَاسْتَحْسَنَ زِيَادَةَ الْإِعْلَامِ فِي حَقِّهِمْ، وَلَا كَذَلِكَ أُمَرَاءُ زَمَانِنَا) (١٢).


(١) (حيَّ على الصلاة): ساقطة من (ب).
(٢) ينظر: "الجامع الصغير" لمحمد بن الحسن (١/ ٨٣)، و"المبسوط" للسرخسي (١/ ١٣٠)، و"بدائع الصنائع للكاساني" (١/ ١٤٨).
(٣) كذا في (ب): وفي نسخة (أ) (لَوْ أَنَّهُ).
(٤) في (ب): (باشتغال).
(٥) في (ب): (ورغبته).
(٦) في (ب): (لكثرة).
(٧) وروي عن محمد بن سيرين قال: "كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- اعتراه نسيان في الصلاة فجعل رجل خلفه يلقنه فإذا أومأ إليه أن يسجد أو يقوم فعل". "ابن سعد". كنز العمال (٢٢٩٨٤)، (٨/ ٢٩٤).
(٨) (أفاً) ساقطة من (ب).
(٩) في (ب): (حين).
(١٠) "المبسوط" للسرخسي (١/ ١٣١).
(١١) النظر: الفكر في الشيء تقدره وتقيسه منك، (لسان العرب لابن منظور: ٥/ ٢١٧)
(١٢) "شرح الجامع الصغير" لقاضي خان (١/ ١٥٦).