للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي «المَبْسُوط» (١) لفَخْرِ الْإِسْلَام جعلَ هذا قولَ أبي يُوسُفَ خاصةً، فقال: قالَ أبو يُوسُفَ: بأنَّ الإمساكَ قبلَ الزَّوالِ مَوقوفُ على أنْ يصيرَ صومًا بِقَرِاْنِ النِّيةِ، فإذا أَكَلَ فقدْ مَنَعَ نفسَهُ عن تحصيلهِ، وجِنَايةُ المنعِ تضُاهي جِنَايةَ الإبطالِ كما في وَلَدِ المغرورِ، ولهما أنَّ وجُوبَ الكَفَارةِ عُرِّفَ شَرعاً للزجرِ عن جِنايةِ إفسادِ الصَّوْم، ولم يُوجْد الصَّوْم بعدُ، وإذا حاضتْ المرأةُ أو نُفِستْ -بضم النون-، أي: إذا صارتْ نُفَسًَا، ونُفِسَتْ حاضتْ (٢).

قولهُ -رحمه الله-: (وعلى هذا الخلافِ كُلَّ مَنْ صارَ أهلًا للُزُومِ، ولم يكنْ كذلكَ في أولِ اليومِ)، وبهذا الأصلِ يخرجُ مَنْ أفطرَ عَمدًا، أو خطأً عن مَوضِع الخلافِ حيثُ يلزمُهُما الإمساكُ بالإتفاقِ (٣)، ذَكَرهُ فَخْرُ الْإِسْلَام (٤)، فإنهما كانا في أولِ اليومِ ممن يلزمُهُما الصَّوْم، وكذلك في آخرِ اليومِ كالمفطرِ مُتعمدًا أو مخطِئًا، فإنْ قِيلَ: ما وجهُ المِفطِر مخُطئًا عندَهُ، والفِطْرُ لا يتحققُ عِنَدهُ مِن المخطئِ قلنا: المرادُ مِنَ المخطئِ هو مَنْ لم يصحْ صومُ اليومِ عنهُ لِعَدَمِ قصدِهِ في إفسادِ الصَّوْم كَمَنْ أَكَلَ يوَم الشكِّ، ثُمَّ ظهرَ أنهُ مِنْ رمضانَ، فإنهُ يتحققُ الإفطارُ هاهنا، ويجبُ التشبهُ بالاتفاقِ.

[من أكل ظاناً غروب الشمس]

وكذا مَنْ تسحَّرَ، وهو يظنُ أنَّ الفجَر لم يطلعْ، فإذا هو قدْ طَلَعَ أو أَفطرَ على ظَنَّ أنَّ الشمسَ قد غَرُبَتْ، وهي لم تغربْ (٥) بعدُ، أو يقولُ بناءً على قولِ مذهَبِكُم، ولنا أنهُ وَجَبَ القضاءُ لَحِقِّ الوقتِ أصلٌ (٦)، هذا ما رُوِيَ عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنهُ أمرَ بالإمساكِ في يومِ عاشوراءَ (٧) فثبتَ بهِ أنَّ مَنْ عَجَزَ عن حقيقةِ الصَّوْم، وقد صارَ بحالٍ لو كانَ كذلِكَ في أولِ النهارِ لِزَمَهُ الصَّوْم أنهُ لِزَمَهَ الإمساكُ قضاءً لَحِقِّ الوقتِ فلِأَنَّ هذا شخصٌ عَجَزَ عن حقيقةِ الصَّوْم مع كَوِنه للصومِ، فيلزمُهُ الإمساكُ قضاءً لحَقِّ الوقتِ كالذي أَفطَرَ عامِدًا، أو ساهيًّا (٨)، كذا ذكره فَخْرُ الْإِسْلَام (٩).


(١) يُنْظَر المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ١٥٧).
(٢) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٣٧١).
(٣) يُنْظَر: اللباب (١/ ٨٧)، الهِدَايَة (١/ ١٢٩).
(٤) يُنْظَر: المَبْسُوط (٣/ ١٠٤).
(٥) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١٢٩).
(٦) يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ١٠٢).
(٧) سبق تخريجه، ص (٣٦٦).
(٨) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٣٦٣).
(٩) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ١٢٧).