للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[المال الذي يأخذه العاشر]]

(ومَنْ مرَّ على العاشِر بمائة درِهم) (١) سواءً كان ذلك المارُ مسلمًا أو ذميًّا؛ لأنهُ غيرُ مأذونًا بأداء زكاته، بل هو مأذونٌ بالتجارة، فلو أخذَ كان المأخوذُ غيرَ الزَّكَاةِ، وليس للعاشرِ ولايةِ أخذِ شيء آخرَ سوى الزَّكَاةِ، ولِأَنَّ الملكَ والمالكَ مُعتبًر في الزَّكَاةَ، ولو مرَّ المالكُ عليه ولا مالَ له، أو كانَ معه دونَ مائتي درهم، (وأخبره أنّ له في بيتهِ مائة أخرى) (٢) لم يأخذْ منه، فكذلك إذا كانَ عنده الملك دونَ المالكِ] أولًا (٣) يُعشّرُها لقوةِ حقِّ المضارب؛ لأنّهُ بمنزلةِ المالك حتى جازَ بيعه مِن ربِّ المالِ، ثُمَّ رجعَ إلى ما ذَكر في الكتابِ (٤)، وهو قوله: لم يُعشّرْ، ولا نائباً عنه في أداءِ الزكاة، أي: المضاربُ ليس بنائبٍ عن المالكِ في أداءِ الزكاة إنما هو نائبٌ عن المالكِ في التجارةِ لا غير، والنائبُ تقتصرُ ولايتهُ على ما فُوَّضَ إليه، فكان هو في ذلك بمنزلةِ المستبْضِعِ (٥)، كذا ذكره الإمام الْمَحْبُوبِيّ -رحمه الله- (٦).

قال أبو يُوسُف -رحمه الله-: لا أدري أنّ أبا حنَيفة -رحمه الله- رجَع عن هذا أم لا (٧)، وقال في "الإيضاح" (٨): والصحيح: أنّ رَجوعَهُ في المضاربِ رجوعٌ في العبدِ المأذونِ أنّ العبدَ يتصرفُ لنفسهِ حتى لا يرجعَ على المولى بالعهدة، بل يباع فهو فيها، وما زاد فيطالبُ به بعد العتقِ؛ وذلك لأنَ الإذنَ إطلاقٌ وفكّ الحَجْرِ، فيكون متصرفًا لنفسه.

وذكر الإمام التُّمُرْتَاشِي -رحمه الله-: لا مشابهةَ بينَ المضاربِ، والعبدِ المأذون؛ لأنَ ولايةَ المأذون أعمُّ، فإنَّ الإذنِ في نوعِ يكونُ إذنًا في الأنواعِ، ولا كذلك المضاربِ، فلا يكونُ الرجوعُ في المضاربِ رُجوعًا في العبدِ، أي: فلا يكونُ رُجُوعُ أبي حَنِيفَةَ -رحمه الله- في المضارب رُجوعًا منهُ في العبدِ لوجودِ الفرقِ بينهما (٩)، وذَكَر فَخْرُ الْإِسْلَام -رحمه الله- في "الجامع الصغير": وقد ذكر في كتابِ الزَّكَاةِ أنّهُ لا يُؤخذُ مِن هؤلاءِ جميعًا بعدَ ذِكُرِ المضارب، والمسُتْبَضِعِ، والعبدِ المأذونِ، وهو الصحيحُ في المأذونِ أيضًا إِلاَّ إذا كان على العبد دَيْنً يحَيط بمالٍ، أي: حينئذٍ لا يُؤخذ منه سواءً كان مَنَعهُ مولاه أو لمْ يكنْ (١٠).


(١) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ٣٥).
(٢) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ٣٥).
(٣) سقطت في ب.
(٤) إذا أطلق لفظ الْكِتَاب عند الحنفية فالمراد به مُختَصرُ القُدُوري أشهر متون الفقة عند الحنفية. يُنْظَر: كشف الظنون (٢/ ١٦٣١)، المذهب الحنفي (٢/ ٣٣٩).
(٥) الإبضاع هو اعطاء شخص لآخر مالاً على أن يكون جميع الرابح عائداً له، ويسمى راس المال بضاعة والمعطي المُبْضِع والآخذ المسْتَبضِع. درر الأحكام (٣/ ٨).
(٦) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٢٣١).
(٧) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٢٣٢).
(٨) يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ٣٧).
(٩) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٢٣٢).
(١٠) يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (١/ ٢٨٧).