للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيه تفريعات كثيرة مذكورة في شرح الطحاوي (١).

[إذا شهد الشهود بقصاص ثم رجعوا بعد القتل ضمنوا الدية]

فإن قيل: ففي مسألة الكتاب ينبغي أن لا يكون الولاء للمولى لأنَّه ينكر العتق قلنا بقضاء القاضي بالحجة صار مكذباً شرعاً؛ لأنَّ القاضي لما قضى بالعتق من المولى تبعه الولاء (٢).

وقوله: «والمكره يمنع» (٣) بنصب الراء على صيغة اسم المفعول؛ لأن الشَّاهد بمنزلة المكره والولي بمنزلة المكره، يعني: لما كان المكره يمنع كان الإكراه أقل إفضاءً إلى القتل، فكان قاصراً في الإفضاء ثم المكره مع ذلك يقتل قصاصاً مع قصوره في الإفضاء إلى القتل فأولى أن يقتل الشَّاهد قصاصا لكمال الشَّهادة في الإفضاء إلى القتل؛ لأنَّ ولي المقتول يعان في الاستيفاء [فكانت] (٤) أكثر إفضاءً إلى القتل.

«ولنا أن القتل مباشرة لم يوجد» (٥) فانتصاب مباشرة على التمييز، وكذا «تسبيباً» وإنَّما ألحق التسبيب بالمباشرة في حق القتل؛ لأن عند الشافعي/ المسبب بمنزلة المباشر في وجوب القصاص (٦).

وذكر في الأسرار: ومن مشايخنا من قال [به] (٧) في تعليل المسألة بأنَّ الشُّهود مسببون إلا أنَّه ضعيف؛ لأنَّ المذهب عنده أن المسبب والمباشر واحد ألا ترى أنَّه يلزمه الكفارة؛ لأنَّ حافر البير بمنزلة القاتل بسوط صغير؛ لأن الحفر لا يعد للقتل وصفاً كالضرب بسوط صغير مرة أو مرتين.

فأمَّا الشَّهادة فطريق مسلوك لأخذ ما يثبت بالشَّهادة، فكان كالضرب بما يقصد به القتل؛ ولكنا نقول لما ثبت من مذهبنا أنَّ الولي لا يقتل، وقد باشر القتل مختاراً لا بإلزام الشُّهود؛ فإنَّه إن شاء عفا ثم لم يلزمه القَصاص للشبهة فالشُّهود الذين يصيرون بالشَّهادة متلفين حكما أولى؛ لأنَّ الضمان بالقتل الذي باشره الولي لا بالقضاء وحده.

وفي المبسوط: «وحجتنا في ذلك أن الشَّاهد مسبب [للقتل] (٨) والمسبب لا يوجب القصاص كحفر البئر، وهذا لأنَّه يعتبر في القصاص المساواة ولا مساواة بين التَّسبيب والمباشرة، وبيان [الوصف] (٩) أنَّ المباشر هو الولي، وهو طائع مختار في هذه المباشرة؛ فعرفنا أن الشَّاهد غير مباشر حقيقةً ولا حكماً ولا معنى لما ذكره في الإلجاء؛ لأن القاضي إنما يخاف العقوبة في الآخرة ولا يصير ملجئاً، فكل أحد يقيم الطاعة خوفاً من العقوبة على تركها في الآخرة ولا يصير به مكرهاً.


(١) ينظر: شرح مختصر الطحاوي (٨/ ١٧٣).
(٢) ينظر: البناية شرح الهداية (٩/ ٢٠٩)، العناية شرح الهداية (٧/ ٤٩١).
(٣) تمام المسألة في الهداية (٣/ ١٣٤): «وإن شهدوا بقصاص، ثم رجعوا بعد القتل ضمنوا الدية، ولا يقتص منهم، وقال الشافعي/: يقتص منهم لوجود القتل منهم تسبيباً فأشبه المكره بل أولى؛ لأن الولي يعان والمكره يمنع».
(٤) في «و»: [وكان].
(٥) الهداية (٣/ ١٣٤).
(٦) ينظر: الحاوي الكبير (١٣/ ٣٧١)، نهاية المطلب (١٧/ ٢٣٧)، الوسيط (٦/ ٢٥٩)، فتح العزيز (١١/ ٢٤٢).
(٧) سقط من: «ج».
(٨) في «س»: [بالقتل].
(٩) في «ج»: [الوصفين].