للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[ابتلاع الحصى والحديد]]

وإنْ استقاءَ عامِداً ففيهِ إشارةٌ إلى أنهُ لو استقاءَ ناسياً لصومِهِ لا يفسدُ صومُهُ كما لو أَكَلَ لمِا رَوَيْنا (١)، وهو قولُه: ومَنْ استقاءَ عَمْداً فعليهِ القضاءُ (٢)، والقياسُ متروكٌ، أي: القياسُ يقتضي أنْ لا يفسدُ صومُهُ بالاستقاءِ/ وإنْ كانَ ملءَ الفمِ لما أنَّ فسادَ الصَّوْم بما يدخلُ؛ لا أنّ يخرجَ لكنَّ القياسَ تُرٍكَ بالحديثِ لعدمِ الخروجِ حُكْماً لِعَدَمِ انتقاصِ الطَّهارةِ، ثُمَّ إنْ عادَ لم يفسدْ صومُهُ عندَهُ، أيْ: عندَ أبي يوسفَ -رحمه الله- (٣)، وإنْ أعادَ، أي: القيُء الحاصلُ الذي مِن الاستقاءِ، وهو أقلُّ مِن ملءِ الفم فعنهُ، أي: فعنْ أبي يوسفَ لما ذكرنا، وهو عدمُ الخروجِ، وعنه، أيْ: وعن أبي يوسفَ لكثرةِ الصُنع (٤)، وهو صنعُ الاستقاءِ، وصنعُ الإعادةِ، ومَنْ ابتلعَ الحَصاةَ أو الحديدَ أَفْطَرَ (٥) إِلاَّ على قولِ بعضِ مَنْ لا يُعتَمدُ على قولهِ فإنهُ يقولُ: حصُولُ الفِطْرِ بما يكونُ بهِ اقتضاءُ الشهوةِ (٦)، ولكنا نقولُ: رُكْنُ الصَّوْم الكفُّ عن اتصالِ الشيءِ إلى باطنهِ، وقد انعدمَ ذلك بتناوُلِ الحصاةِ، ثُمَّ لا كفارةَ عليهِ إِلاَّ على قولِ مالكٍ (٧)، فإنهُ مُفطرٌ غيرُ معذورٍ، وكانت جنايتُهُ هاهنا أظهرُ إذا عرضَ له في هذا الفعلِ سِوى الجنايةِ على الصَّوْم بخلافِ ما يتعدّى بهِ، ولكنا نقولُ (٨): عدمُ دُعاءِ الطبعِ إليهِ، يعني: عن إيجابِ الكفارةِ فيه زاجراً كما لا يُوجبُ الحدَّ في شُربِ الدمِ، والبولِ بخلافِ الخمرِ، ثُمَّ تمامُ الجناية بانعدامِ رُكْنِ الصَّوْم صورةً ومعنى، فانعدمَ المعنى هاهنا (٩)؛ لأنُه لم يحصلْ اقتضاءُ الشهوةِ، فإذا انعدمَ لم تتمَّ الجنايةُ] بانعدام ركن الصَّوْم (١٠) [، وفي النقصانِ شُبهةُ العدَم. والكفارةُ، تسقطُ بالشُبهةِ، كذا في «المَبْسُوط» (١١)، فعليهِ القضاءُ خِلافاً للأوزاعي (١٢)، ولا كفارةَ خلافاً لسعيدِ بنِ جبيرٍ (١٣) (١٤) على ما يأتي بيانهُا (١٥).


(١) ذكر المصنف هذه المسألة في كلامه على حكم من أكل أو شرب ناسياً ص ٢٦.
(٢) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ٤٠).
(٣) يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (٢/ ٢٩٥)، الجوهرة النيرة (١/ ١٧١).
(٤) المصدر السابق.
(٥) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ٤٠).
(٦) يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (١/ ٣٢٧)، حاشية ابن عابدين (٢/ ٤١٠).
(٧) يُنْظَر: الذخيرة (٢/ ٥٠٧).
(٨) يُنْظَر: المَبْسُوط (٣/ ١٣٣)، الْبَحْرُ الرَّائِق (٢/ ٢٩٦).
(٩) يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (٢/ ٦٤٦).
(١٠) في (ب) زيادة (بانعدام ركن الصَّوْم) وقد أثبتها لموافقتها سياق الكلام.
(١١) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ١٣٣).
(١٢) يُنْظَر: الاستذكار (٣/ ٣١٣)، الْمُغْنِي (٣/ ٣٦).
(١٣) هو: سعيد بن جبير بن هشام، أبو عبدالله مولى بني والبة من بني أسد، قال أحمد بن سليمان عن حزم عن واصل بن سليمان عن عبد الله بن سعيد: قتل سعيد وهو ابن تسع وأربعين، قال أبو نعيم: قتل سنة خمس وتسعين، وقال ابن ابى الاسود عن ابن مهدي: كان سفيان يقدم سعيدا على إبراهيم في العلم، سمع أبا مسعود وابن عباس وابن عمرو وابن الزبير وأنس، وعن ابى هريزة، سمع منه عمرو بن دينار وأيوب وجعفر بن إياس.
يُنْظَر: (ثقات ابن حبان: ٤/ ٢٧٥)، و (التاريخ الكبير: ٣/ ٤٦١)، و (تهذيب التهذيب: ٣/ ٤٨٤).
(١٤) يُنْظَر: مصنف عبدالرزاق (٤/ ١٩٧)، مصنف ابن أبي شيبة (٣/ ١٠٥).
(١٥) سيأتي مزيد إيضاح في هذه المسألة عند كلام المصنف -رحمه الله- عن مسألة حكم الجماع إذا لم ينزل ص ٤٠.