للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[ما على المجنون في الصيام]]

وفي/ «المَبْسُوط» (١): فإنْ كانَ جُنونُهُ أصليًّا بأنْ بَلَغَ مُجنونًا، ثُمَّ أفاقَ في بعضِ الشهرِ فالمحفوظُ عن مُحَمَّد -رحمه الله- (٢) أنهُ ليسَ عليهِ قضاءُ ما مضى؛ لِأَنَّ ابتداءَ الخِطَابِ يتوجهُ عليهِ الآنَ فيكونُ بمنزلةِ الصِبيِّ يبلغُ، ورَوَىَ هِشامٌ عن أبي يوسفَ -رحمه الله- (٣) قالَ في القياسِ: لا قضاءَ عليهِ، ولكنْ استَحْسَنَ، فأوجبَ عليهِ قضاءَ ما مضى مِنَ الشهرِ؛ لِأَنَّ الجنُونُ الأصيلَ لا يُفاِرقُ الجنونَ الطَّارئَ في شيءٍ من الأحكامِ، وليسَ فيهِ رِوايةٌ عن أبي حنيفةَ -رحمه الله-، واخُتلِفَ فيه المتأخرِ، ولا على قياسِ مذهَبِهِ. والأصحَّ: أنهُ ليسَ عليهِ قضاءُ ما مضَى (٤).

وهذا، أيْ: المرْوِيِّ عن محُمدٍ، وهو الفرقُ بينَ الجُنونينِ مَختارُ بعضِ المتأخرين: منهم الشيخُ أبو عبدِاللهِ الجرجاني (٥)، والإمامُ الرستغفني (٦)، والزاهدُ الصفار رحمهمْ اللهُ (٧) ذكره في «الفَوَائِد الظَّهِيرِيَّة» (٨) قالَ شَيْخِي (٩) في تأييدِ قولِ مُحَمَّد -رحمه الله- بالطُّهْرِ الممتدِ، فقالَ: لا يبُعد أنْ يُفارِقَ حُكْمُ الأصِليِّ حُكْمَ العارضِي، وإنْ كانتْ حقيقتُهما واحدةً، فإنَّ الطُّهرَ إذا كانَ أصليًّا بأنْ بلغتْ الصغيرةُ بالسنِ، ولم ترَ بعدَ البلوغِ، وما حُكْمُها حُكْمُ الصغيرةِ في الاعتدادِ بالأشهرِ، وإذا كانَ عارضيًا بأنْ بلغتْ بالحيضِ، ثُمَّ امتدَّ الطُّهرُ ليسَ حُكْمُها حُكْمَ الصغيرةِ، بلْ يُعتدُّ بالحيضِ إلى أنْ يتأنِسَ فكذلك هاهنا ومَنْ لم ينوِ في رمضانَ كُلِّهِ لا صومًا ولا فِطرًا فعليهِ قضاؤُهُ (١٠). وهذه المسألةُ من خَواصِ مسائِل «الجامع الصغير» (١١) ثُمَّ لابُدَّ مِنَ التأْوِيلِ لهذهِ المسألةِ لما أنَّ دِلالةَ حالِ المسلمِ كافيةٌ لِوُجودِ النيةِ ألا ترى أنّ مَنْ أُغِميَ عليهِ بعدَما غربتْ الشمسُ من الليلةِ الأوُلى مِن رمضانَ أنهُ يصيرُ صائِمًا في يومِها، ولم يعرفْ مِن نيةِ الصَّوْم، ولا الفِطْرِ لما أنا حملْنَا أمرَهُ على النيةِ بناءً على ظاهرِ حالِهِ، ثُمَّ قال مشايخنا (١٢): تأويلُ هذهِ المسألةِ أنْ يكونَ مَريضًا أو مُسافرًا أو مُتهتكًا اعتادَ الفِطْر في رمضانَ حتى لا يصلُحُ حالهَ دليلًا على العزيمةِ، ونيةِ الصَّوْم (١٣)، كذا ذَكَر فَخْرُ الْإِسْلَام -رحمه الله- (١٤).


(١) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ١٦٠).
(٢) يُنْظَر: المَبْسُوط (٣/ ١٦٠)، النافع الكبير (١/ ١٣٨).
(٣) يُنْظَر: المَبْسُوط (٣/ ١٦٠)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ٨٩).
(٤) يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ٨٩).
(٥) هو: يوسف بن علي بن مُحَمَّد الجرجاني أبو عبد الله تفقه على أبي الحسن الكرخي كان عالما تفقه على أبي حَنِيفَةَ -رضي الله عنه- وأصحابه ومن تصانيفه خزانة الأكمل فى ست مجلدات.
يُنْظَر: الجواهر المضية (٢/ ٢٢٨)، معجم المؤلفين (١٣/ ٣١٩).
(٦) هو: علي بن سعيد، أبو الحسن الرستغفني، من كبار مشائخ سمرقند، له كتاب "إرشاد المهتدي" وكتاب "الزوائد والفَوَائِد في أنواع العلوم"، وهو من أصحاب الماتريدي الكبار له ذكر في الفقه والأصول في كتب الأصحاب.
يُنْظَر: الجواهر المضية (١/ ٣٦٢)، الأَعْلَام للزركلي (٤/ ٢٩١)، معجم المؤلفين (٧/ ٩٩).
(٧) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٣٦٩).
(٨) يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (٢/ ٤٣٣).
(٩) هو: صاحب الهِدَايَة أبو الحسن المرغياني -رحمه الله-. يُنْظَر الهِدَايَة (١/ ٩٦).
(١٠) يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (٢/ ٣٦٨).
(١١) الجامع الصغير (١/ ١٣٧).
(١٢) يُنْظَر: الجامع الصغير (١/ ١٣٨).
(١٣) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٣٦٩).
(١٤) يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (١/ ٣٤١).