للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[عدم جواز بيع المأذون من مولاه بنقصان من قيمته]]

(وإن باعه بنقصان لم يجز) أي: (عند أبي حنيفة (١) - رحمه الله-)، فإن عندهما (٢) (يجوز هذا البيع ويُخيَّر الموْلَى) على ما يجيء، يعني: وإن باع العبد المأذون المديون شيئًا من مولاه بنقصان من قيمته، أيُّ نقصان كان سواء كان يسيرًا أو فاحشًا لم يجز عند أبي حنيفة- رحمه الله-؛ (لأنه مُتهم (٣) في حقه) أي: لأن العبد متهم في حق الموْلَى (بخلاف ما إذا حابى الأجنبي) أي: هناك يجوز سواء كانت المحاباة يسيرة أو فاحشة، وكان قوله: (بخلاف) متعلقًا بقوله: (لم يجز).

[[جواز محاباة المأذون للأجنبي]]

قوله: (لأنه لا تهمة فيه) فإن قيل: احتمال التهمة فيه أيضًا موجود، قلنا: مجرد الاحتمال لا يُعتبر، وإنما المعتبر الاحتمال الناشئ عن الدليل (٤) (وبخلاف ما إذا باع المريض)، وهذا الخلاف متعلق بأول المسألة، وهو قوله (وإذا باع من الموْلَى شيئا بمثل قيمته جاز) هذا على تقدير الواو في قوله: (وبخلاف)، ويجوز أن يكون بدون الواو فيتعلق بحكم قوله المتصل به، وهو قوله (بخلاف ما إذا حابى الأجنبي) أي: أنه يجوز في كل حال، أعني: إذا كانت المحاباة يسيرة، أو فاحشة، أو كان البيع بمثل القيمة (وبيع المريض من وارثه لا يجوز عند أبي حنيفة (٥) - رحمه الله-) / في كل حال من هذه الأحوال وهذا أوجه، ولكن النسخة بالواو تأباه (حتى كان لأحدهم الاستخلاص (٦) بأداء قيمته) يعني: إذا كان الدين مستغرقًا للتركة، ورضي بعض الورثة بأن يدفع التركة إلى الغرماء، كان للباقي من الورثة أن يستخلص التركة لنفسه (بأداء قيمته) أي: قيمة التركة تأويل المتروك أو المال، وذكر هذه المسألة في «المبسوط» (٧) في باب العبد المأذون يدفع إليه مولاه ما لا يعمل به، وذكر مسألة الاستخلاص في حق القِسْمة فيما بين الورثة بعدم جواز الاستخلاص، وهو يصلح حُجة لمسألتنا هذه أيضًا؛ لأن المُدَّعي في مسألتنا هذه أن حق الغرماء في مالية التركة لا في عينها بخلاف الورثة؛ فإن حقهم في عين التركة، وهذا المُدَّعي يستفاد مما ذكر في «المبسوط» (٨)، حيث قال: (منع المريض من هذا التصرف- أي: من تصرف بيع ماله من وارثه، وإن كان بمثل القيمة عند أبي حنيفة (٩) - رحمه الله- لحق سائر الورثة؛ لأن حقهم متعلق بعين ماله-حتى لو أراد بعض الورثة استخلاص شيء لنفسه، وأداء القيمة إلى الآخر ليس له ذلك-؛ لأن في هذا التصرف إيثار البعض على البعض)، وذلك لا يجوز.


(١) انظر: بدائع الصنائع (٧/ ١٩٥)، العناية (٩/ ٣٠١)، تبيين الحقائق (٥/ ٢١٤).
(٢) انظر: المصدر السابق.
(٣) التُهمة: الظن بالسوء. المصباح المنير مادة (ت هـ م) (١/ ٧٨).
(٤) انظر: كشف الأسرار (٣/ ٢٨)، تيسير التحرير (١/ ٢٦٧).
(٥) انظر: المبسوط للسرخسي (١٤/ ١٥٠)، تبيين الحقائق (٥/ ٢١٤).
(٦) الاستخلاص: تَنْقِيَةُ الشَّيْءِ وَتَهْذِيبُهُ. مقاييس اللغة (٢/ ٢٠٨).
(٧) انظر: المبسوط للسرخسي (٢٥/ ٧٠).
(٨) للسرخسي (٢٥/ ٧٠).
(٩) انظر: بدائع الصنائع (٧/ ١٩٥)، تبيين الحقائق (٥/ ٢١٤)، حاشية ابن عابدين (٦/ ١٥٩).