للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا يمنعه الاستحياء من النَّاس وخوف اللائمة من إظهار الرجوع في مجلس القضاء، فلأنْ يراقب الله تعالى خير له من أن يراقب الناس، ورجوعه صحيح [مقبول] (١) في حقه، وإن كان مردوداً فيما يرجع إلى حق غيره». كذا في المبسوط (٢).

[في ركن الرجوع عن الشهادة، وشرطه، وحكمه.]

ثم اعلم أنَّ للرجوع عن الشَّهادة ركناً، وشرطاً، وحكماً:

أمَّا ركنه: فقول الشَّاهد بعدما شهد: رجعت عما شهدت به، أو يقول: شهدت بزور فيما شهدت.

وأمَّا شرطه: فمجلس القاضي، حتى لا يصح الرجوع في غير مجلس القاضي.

وثمرته تظهر فيما إذا ادَّعى المشهود عليه عند القاضي رجوع الشَّاهد في غير مجلس القاضي، وأنكر الشَّاهد ذلك، فأراد المشهود عليه إثباته بالبيِّنة، أو أراد استحلاف الشَّاهد/ ليس له ذلك.

وإذا أقرَّ الشَّاهد عند القاضي أنَّه رجع عند غيره صح إقراره، وطريق صحته أنْ يجعل هذا رجوعاً مبتدأ من الشَّاهد، لا أنْ يعتبر ذلك الرجوع الذي كان في غير مجلس القاضي.

وأمَّا حكمه: فرجوع الشَّاهد إن كان قبل القضاء يصح في حق نفسه وفي حق غيره، حتى يجب على الشَّاهد التعزير، ولا يقضي القاضي بشهادته على المشهود عليه.

وإن كان بعد القضاء كان أبو حنيفة - رحمه الله - أولا يقول: يُنظر في حال الراجع إنْ كان حاله عند الرجوع أفضل من حاله وقت الشَّهادة في العدالة صح [الرجوع] (٣) في حق نفسه، وفي حق غيره، حتى وجب عليه التعزير، وينقض القضاء، ويرد المال على المشهود عليه.

وإنْ كان حاله عند الرجوع مثل حاله عند الشَّهادة في العدالة، أو دونه يجب عليه التعزير؛ ولكن لا ينقض القضاء، ولا يجب الضمان على الشَّاهد، وهو قول أستاذه حماد -رحمهما الله.

ثم رجع عن هذا وقال: لا يصح رجوعه في حق غيره على كل حال حتى لا ينقض القضاء، ولا يرد المشهود به على المشهود عليه، وهو قول أبي يوسف ومحمد [رحمهما الله] (٤) (٥). كذا في المغني (٦).

قوله - رحمه الله -: «سقطت» (٧)؛ أي: سقطت الشَّهادة عن الإلزام على القاضي بالحكم؛ لأنَّ بالشَّهادة يجب القضاء على القاضي.


(١) في «س»: [مقبوض].
(٢) المبسوط (١٦/ ١٧٧).
(٣) في «س»: [رجوعه].
(٤) سقط من: «س».
(٥) المحيط البرهاني (٨/ ٥٣٩).
(٦) ينظر: البناية شرح الهداية (٩/ ٢٠١)، تبيين الحقائق (٤/ ٢٤٣)، حاشية رد المحتار (٧/ ٢٤٠)، مجمع الأنهر (٣/ ٢٩٨).
(٧) تمام المسألة: «إذا رجع الشًّهود عن شهادتهم قبل الحكم بها سقطت». الهداية (٣/ ١٣٢).