للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الثاني

الحالة الاجتماعية في عصره

ساءت الأوضاع الاجتماعية بكل نواحيها بعد سقوط بغداد، إذ استولى الغرباء الأجانب على موارد الدولة، كما فسدت الأخلاق، وكثر الأشرار، والمفسدون، الذين كانوا يسمون (بالشطار) الذين ابتزوا أموال الناس ظلما وعدوانا، وخربوا البيوت، وحرقوا كل ما يقع تحت أعينهم من أشياء، بينما كان المسئولون عن البلاد لا يستطيعون إيقاف مثل هذه الأعمال أو الحيلولة دون الجرائم الشيطانية، التي تحدث وهذا ما يذكره لنا الدكتور بكري شيخ في كتابه مطالعات في الشعر المملوكي والعثماني وبهذا فقد كثر في المجتمع فساد الضمائر وتفشي الأمراض.

وعلى الرغم من ذلك فقد كانت الحالة الاجتماعية في مصر والشام أفضل مما هي عليه في العراق لأن المماليك حموا الديار في مصر من المغول والصليبيين، إذ بلغ الترف في أيامهم حدا بعيدا، وتفنن بعض الناس في مأكلهم وملبسهم.

وقد شاعت عادة تناول الحشيش، وفعل الموبقات، حتى اضطر أحد الحكام سنة ٦٦٥ هـ في القاهرة إلى إصدار أوامر لإبطال شرب الخمور وتدخين الحشيش، ومعاقبة المقبلين على المنكرات، وأما التبغ فقد ظهر في مصر لأول مره سنة ١٠١٢ هـ (١).

المطلب الثالث

الحالة العلمية في عصره

في هذا الجو الذي تلبد بالغيوم، وتعكر صفوه، واشتدت أعاصيره، حيث أتلفت الكتب وهدمت المكتبات، وأحرقت المساجد، وقتل العلماء، وهددوا بشتى أنواع التعذيب، واستمرت هذه الحالة خمساً وعشرين سنة (٦٥٦ هـ-٦٨٠ هـ) (٢).

وفي عهد أحمد بن هولاكو، بدأت الحركة العلمية نشاطها، وأخذت في صعودها وتقدمها، وازدهرت بشكل ملموس، بلغ العلماء رسالتهم، وأدوا أمانتهم، واضطلعوا بما حملوا، فأسست المدارس والمعاهد، وأنشئت دور المكتبات، وعمرت المساجد والجوامع.

فكان في الفترة التي عاشها السنغاقي كما قال الشيخ محمد علي السايس: "نبغ كثير من كبار العلماء، وأساطين المفكرين، إلا أن تلك الظروف السيئة، وعوامل الاضطرابات القوية، أثرت في نشاط الحركة العلمية، ورجعت بها القهقرى، فأبدلتها من القوة ضعفا، ومن التقدم تأخرا، وأماتت في العلماء روح الاستقلال الفكري، فلم نجد بعد محمد بن جرير الطبري المتوفى سنة ٣١٠ هـ من سمت به نفسه إلى مرتبة الاجتهاد، يتخير لنفسه في الاستنباط والاستفتاء، ويأخذ أحكامه من الكتاب والسنة غير مقتد برأي أحد من الأئمة … إلخ" (٣).


(١) انظر: إخبار الأول فيمن تصرف في مصر من أرباب الدول، للإسحاقي.
(٢) انظر: البداية والنهاية (١٣/ ٢٠٠ - ٢١٨ - ٢٢١).
(٣) انظر: تاريخ الفقه الإسلامي، لمحمد علي السايس (ص ١١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>