للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: (بخلاف الاستهلاك (١) متعلق بقوله: (لزمه ذلك بعد قضاء الديون)، يعني: أنه إذا استهلك مال الغير في حال الحجر يؤاخذ بضمانه قبل قضاء الديون فكان المُتْلَف (٢) عليه أسوة لسائر الغرماء؛ (لأنه مُشَاهدٌ لا مَرَد له) بخلاف الإقرار فإن سببه محتمل (٣).

[[الإنفاق على المفلس]]

وذكر في حجر «الذخيرة» (٤): (ولو كان سبب وجوب الدين ثابتًا عند القاضي بعلمه (٥) أو بشهادة (٦) الشهود بأن شهدوا على الاستقراض، أو الشراء بمثل القيمة شارك هؤلاء الغرماء غريمه الذي له الدين قبل الحجر)، (ويُنْفَق) على بناء المفعول (على المفلس)، أي: على المفلس المديون المحجور (ولو مرض في الحبس يبقى فيه) إلى قوله: (وإن لم يكن أخرجه تحرزًا عن هلاكه)؛ لأنه لا يجوز الإهلاك لمكان الدين، ألا ترى أنه لو تَوجَّه الهلاك إليه بالمخمصة (٧) كان له أن يدفعه بمال الغير، فكيف يجوز إهلاكه لأجل مال الغير؟ وعن أبي يوسف (٨) - رحمه الله- أنه لا يُخرجه من السجن في هذه الصورة أيضًا؛ لأن الهلاك لو كان، إنما يكون بسبب المرض، وأنه في الحبس وغيره سواء.

[[اكتساب المديون في السجن]]

(وَالْمُحْتَرِفُ (٩) منه لا يُمَكَّنُ من الاشتغال بعمله هو الصحيح) هذا احتراز عن قول بعضهم (١٠)، فإنهم قالوا: لا يُمنع عن الاكتساب (١١) في السجن؛ لأن فيه نظرًا إلى الجانبين: لجانب المديون؛ لأنه ينفق على نفسه وعلى عياله، ولرب الدين فإنه إذا فضل منه يَصرف ذلك إليه.


(١) دين الاستهلاك: الدَيْنٍ الذي تَرَتَّبَ بِذِمَّتِهِ بِسَبَبِ اسْتِهْلَاكِهِ لِشَيْءٍ آخَرَ. حاشية ابن عابدين (٦/ ١٦٤)
(٢) في (ع) (المكلف) وما أثبت هو الصحيح. انظر: العناية شرح الهداية (٩/ ٢٧٦)
(٣) انظر: فتح القدير (٩/ ٢٧٦)، العناية شرح الهداية (٩/ ٢٧٦)
(٤) انظر: مخطوط الذخيرة (٤/ ١٢٦/ ب)، مجمع الأنهر (٢/ ٤٤٣)
(٥) قال ابن عابدين: (الْمُعْتَمَدُ عَدَمُ جَوَازِ الْقَضَاءِ بِعِلْمِهِ) انظر: حاشية ابن عابدين (٦/ ١٥١)
(٦) الشَّهَادَةُ لغة: خَبَرٌ قَاطِعٌ. مختار الصحاح (ص: ١٦٩) واصطلاحًا: إخْبَارُ صِدْقٍ بِإِثْبَاتِ حَقٍّ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ. فتح القدير (٧/ ٣٦٤)، حاشية الشلبي (٤/ ٢٠٦)
(٧) الْمَخْمَصَةُ: الْمَجَاعَةُ. مختار الصحاح مادة (خ م ص) (ص: ٩٧)
(٨) انظر: المحيط البرهاني (٨/ ٢٤٢)، العناية شرح الهداية (٩/ ٢٧٧)، البناية شرح الهداية (١١/ ١٢٢)
(٩) يعني: يكتسب بالحرفة وهي الصنعة. انظر: البناية شرح الهداية (١١/ ١٢٢).
(١٠) انظر: المحيط البرهاني (٨/ ٢٤٣)، بدائع الصنائع (٧/ ١٧٥)، العناية شرح الهداية (٩/ ٢٧٧).
(١١) (الِاكْتِسَاب فِي عرف أهل اللِّسَان تَحْصِيل المَال بِمَا يحل من الْأَسْبَاب، وعِنْد الاطلاق يفهم مِنْهُ اكْتِسَاب المَال.) الكسب (ص: ٣٢).