للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[حق المظلوم يتأخر إلى الآخرة]]

أحدهما: أن حق المتلَف عليه لا يُهدر، بل يتأخر إلى الآخرة، وذلك تأخير يحصل لا بصُنعِنا بل لعجزنا، فلا يكون علينا وباله، ولو أوجبنا عوضًا زائدًا كان إيجابًا مِنَّا، فيكون وباله علينا، فلا يحل لنا تعدي حد الشرع لإيفاء حق؛ ولأن الزيادة جور، وأنها لا تحل بحال، ولا يجوز أن تجب شرعًا، فأما سقوط ضمان الحقوق في الدنيا فجائز شرعًا، وحاصلة: أن حق المظلوم فيما قلنا لا يُهدر، بل يتأخر إلى الآخرة، ولو أوجبنا الزيادة صارت تلك الزيادة هدرًا في حق المُتْلِف، فبطل حقه عنه أصلًا، فكان ما قلناه من اعتبار المماثلة، والكفِّ عن القضاء بالضمان بدون اعتبار المماثلة أعدل من هذا الوجه، هذا كله من «المبسوط» (١) و «الأسرار» (٢) وغيرهما.

[[مسألة فتح رأس التنور بمنزلة استهلاك العين]]

ثم مسألة (٣) فتح رأس التنور المسجور لإنسان حتى بَرد، عليه قيمة الحطب على ما ذكرنا قبل (٤) في مسألة صبغ الثوب المغصوب، يتراءى أنه بمنزلة غصب الغاصب؛ فقد أوجب فيه قيمة الحطب مع أنّ غصب المنافع غير مضمون عندنا (٥)، ولكن هو ليس من قبيل ذلك؛ لأنّ غصب الشيء (٦) عبارة عن تعطيل منافع العين مع بقاء العين لتلك المنفعة كالركوب على الدابة، وأمّا ههنا فقد أَتَلف ما هو المقصود لصاحب التنور من تسجيره، حيث لم يبق التنور صالحًا لذلك المقصود، فصار هذا بمنزلة استهلاك العين، فلذلك ضَمِن (٧) الحطب (٨)، والله أعلم (٩).


(١) للسرخسي (١١/ ٧٩ - ٨٠).
(٢) للدبوسي (٣/ ١١٨ - ١٢١ - ١٣١).
(٣) انظر: المحيط البرهاني (٥/ ٤٨١)، البناية شرح الهداية (١١/ ٢٥١).
(٤) في (ع): زيادة (هذا).
(٥) انظر: الأسرار (٣/ ١١١)، المبسوط للسرخسي (١١/ ٧٨)، تحفة الفقهاء (٣/ ٩٠).
(٦) في (ع): (المنافع).
(٧) سقطت في (ع).
(٨) انظر: البناية شرح الهداية (١١/ ٢٥١).
(٩) سقطت في (أ).