للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

في الشَّهادة على الإرث.

لما فرغ من بيان أحكام شهادة تتعلق بالأحياء، شرع في هذا الفصل في بيان أحكام شهادة تتعلق بالأموات، إذ الموت بعد الحياة وجوداً، فكذا حكمه ذكراً.

«ولا يكلف البيِّنة أنَّه مات وتركها ميراثًا له» (١)، هذا بالإجماع، لكن على اختلاف التخريج، فعند أبي يوسف - رحمه الله - (٢) نسب أنَّه لا يقول في الميراث باشتراط الجر والانتقال من المورث إلى الوارث في قبول البيِّنة.

وأمَّا أبو حنيفة ومحمد -رحمهما الله- وإن كانا يشترطان ذكر الجر والانتقال إلى الوارث في الشَّهادة ولم يشترطا ذلك هنا؛ لأنَّ المدَّعى أثبت لمورثه يداً في المدَّعى بما أقام من البيِّنة؛ لأنَّ يد المودع/ والمستعير يد المودع والمعير، فصار كأنَّه أقام البيِّنة أن أباه مات والدار في يده، ولو كان كذلك كانت البيِّنة مقبولة، فكذا هنا. إلى هذا أشار في الفوائد الظهيرية (٣).

«وأصله أنَّه متى ثبت ملك المورث»، أي: مطلق من غير أن يثبت أنَّه كان مالكاً له وقت الموت.

«إن ملك الوارث ملك المورث»، لكون الوراثة خلافة، ولهذا يرد بالعيب، ويُرد عليه بالعيب، ويصير مغروراً فيما كان المورث مغروراً فيه (٤).

«وهما يقولان إن ملك الوارث متجدد في حق العين، حتى يجب عليه الاستبراء في الجارية الموروثة» (٥).

فإن قلت: ما جوابهما عن بينة قامت للمدَّعِي بأنَّ هذا العين كان ملكاً لهذا المدَّعى، فإنَّه يقضي للمدَّعِي وإن لم يشهدوا أنَّه للمدعي في الحال.

وكذلك في مسألة هي أشبه لمسألتنا هذه، وهي أنَّ من ادَّعى عيناً في يد إنسانٍ أنَّه اشتراه من فلان الغائب، وأقام البيِّنة على الشراء، ولم يُقم [البيِّنة] (٦) على ملك البائع، وأنكر ذو اليد ملك البائع، فإنَّه يحتاج إلى إقامة البيِّنة أنَّ الملك لبائعه، [فإذا] (٧) أقام البيِّنة على ذلك حتى شهد الشُّهود أنَّه كان للبائع يقضي للمشتري، وإن لم ينصوا على أنَّه كان ملكاً للبائع يوم البيع بثبوته اقتضاءً، فيجب أن يكون الحكم هنا كذلك؛ لما أن كل واحد من الإرث والشراء سبب للملك (٨).


(١) تمام المسألة في الهداية (٣/ ١٢٨): «ومن أقام بينة على دارٍ أنَّها كانت لأبيه أعارها، أو أودعها الذي هي في يده؛ فإنه يأخذها ولا يكلف البينة أنَّه مات وتركها ميراثاً له».
(٢) سقط من: «س».
(٣) ينظر: البناية شرح الهداية (٩/ ١٨١).
(٤) ينظر: البناية شرح الهداية (٩/ ١٨١)، العناية شرح الهداية (٧/ ٤٥٧).
(٥) الهداية (٣/ ١٢٨).
(٦) سقط من: «ج».
(٧) في «س»: [وإذا].
(٨) ينظر: المحيط البرهاني (٨/ ٢٧٤).