للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: إنَّهما يجيبان عن هذا، ويقولان: إنَّ كون هذا العين ملكاً للميت يوم الموت ثابت باستصحاب الحال دون البيِّنة، والثابت باستصحاب الحال حجة لإبقاء ما هو ثابت لا لإثبات ما هو غير ثابت، كالملك الثابت بظاهر اليد يصلح لإبقاء ما هو ثابت لا لإثبات ما هو غير ثابت، وهو الأخذ بالشفعة إذا أنكر المشتري ملكه، فكذا هاهنا مالكيَّة الوارث لم تكن ثابتة، وإنَّما يثبت للحال (١).

فكان ملكاً متجدداً من وجه حتى يحل لو كانت صدقة، ويجب الاستبراء على الوارث إن كانت جارية.

فبأحد الاعتبارين إن وجب القضاء بهذه البيِّنة، فبالاعتبار الآخر لا يجب بالشَّك، بخلاف ما لو شهدوا أنَّها كانت للمدَّعي وهو حي، إذ ليس في القضاء بتلك الشَّهادة إثبات أمر لم يكن؛ لأن ملك المدَّعى إذا ثبت في الماضي يبقى إلى وقت آخر، واستصحاب الحال حجَّةٌ فيه (٢).

أما ههنا فاستصحاب الحال لا يصلح لإثبات المالكيَّة للوارث؛ لأنَّها لم تكن ثابتة من الوجه الذي قلنا، وبخلاف مسألة الشراء؛ لأنَّ ملك المشتري مضاف إلى الشراء الثابت بالبيِّنة لا إلى بقاء ملك البائع في المبيع، وإن كان لابد لإثبات ملك المشتري من بقاء ملك البائع؛ لأن الشراء آخرهما وجوداً، وأنَّه سبب موضوع للملك حتى لا يتحقق من غير إيجاب الملك فيكون مضافاً إلى الشراء، وأنَّه ثابت بالبيِّنة (٣).

وأمَّا ههنا ثبوت الملك للوارث مضافاً إلى كون المال مِلكاً للميت وقت الموت، لا إلى الموت الثابت معاينةً؛ لأنَّ الموت ليس سبب موضوع للملك؛ بل هو موضوع لإبطال الحياة؛ ولا لإيجاب الملك، فكم من موت ليس فيه إيجاب الملك لأحد، ومن هذا وقع الفرق في اليمين بين التعليق بالشِّراء وبين التعليق بالموت، حتى لو قال لأمةٍ: إن اشتريتك فأنت حرَّةٌ صح اليمين، ولو قال: إن مات مولاك فأنت حرَّهٌ والحالف وارثه؛ لا يصح اليمين، وبقاء ملك الميت إلى يوم الموت فيما نحن فيه ثابت باستصحاب الحال، وأنَّه لا يصلح لإثبات ما لم يكن ثابتًا إن صلح لإثبات ما كان ثابتاً (٤). إلى هذا أشار الإمام المحبوبي - رحمه الله - في الجامع الصغير.

«فلا بد من النقل» (٥)؛ أي: لابد أن يقول الشُّهود أنَّه مات وتركها ميراثاً له، وهو تفسير الجر في الشَّهادة في المواريث (٦).


(١) ينظر: المحيط البرهاني (٨/ ٣٧٧).
(٢) ينظر: المحيط البرهاني (٨/ ٣٧٧).
(٣) ينظر: المحيط البرهاني (٨/ ٣٧٧، ٣٧٨).
(٤) ينظر: المحيط البرهاني (٨/ ٣٧٨).
(٥) قال في الهداية (٣/ ١٢٨): «ويحل للوارث الغني ما كان صدقة على المورث الفقير، فلابد من النقل، إلا أنَّه يكتفي بالشهادة على قيام ملك المورث وقت الموت لثبوت الانتقال ضرورة».
(٦) ينظر: البناية شرح الهداية (٩/ ١٨٢).