للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«إلا أنَّه يكتفى بالشَّهادة»، هذا استثناء عن ما يتصل به، وهو قوله: «فلا بد من النقل»، يعنى: أنَّ عندهما لابد من النقل والجر، حتى لو شهد الشُّهود أنَّها كانت لأبيه، ولم يجروا الميراث إلى المدَّعى، ولم يقولوا: إن أباه مات وتركها ميراثاً له ولا يعلم له وارثاً غيره، لا يقبل القاضي شهادته.

إلا أنَّ الشَّهادة على قيام ملك المورث وقت الموت على الدار، أو على قيام يد المورث على الدار وقت الموت قائمة مقام قولهم: إنَّها كانت لأبيه وتركها ميراثاً له (١).

والدليل على هذا أيضاً ما ذكره في الذَّخيرة (٢) والمغني: «وإذا ادَّعى داراً في يد إنسانٍ أنَّها له ورثها عن أبيه، وجاء بشهودٍ شهدوا أنَّها كانت لأبيه إلى أن مات وتركها ميراثاً له لا يعلم له وارثاً غيره، فالقاضي يقبل هذه الشَّهادة ويقضي بالدار للمدَّعي، وهذا ظاهر، وكذلك إذا شهدوا أنَّ أباه مات وترك هذه الدار ميراثاً له، وكذلك إذا شهدوا أنَّها كانت لأبيه يوم الموت، فالقاضي يقبل هذه الشَّهادة ويقضي بالدار للمدَّعي.

وإن لم يشهدوا أنَّه/ تركها ميراثاً له، وكذلك إذا شهدوا أنَّها كانت في يد أبيه إلى أن مات، أو شهدوا أنَّها كانت في يد أبيه يوم الموت، فالقاضي يقبل هذه الشَّهادة ويقضي بالدار للمدَّعي؛ لأن الشَّهادة باليد يوم الموت شهادة بالملك له يوم الموت؛ لأن اليد المجهولة تنقلب يد ملك عند الموت؛ لأنَّ الظَّاهر من حال من حضره الموت أن يسوَّي أسبابه ويبين ما كان عنده من الودائع أو المغصوب، فإذا لم يبين فالظَّاهر أن ما في يده ملكه، فجعلنا اليد عند الموت يد ملك من هذا الوجه.

وروى الحسن بن زياد، وعلي بن يزيد الطبري، -صاحب محمد بن الحسن -رحمهم الله-: أنَّه لا يقبل الشَّهادة في هذه الصورة؛ لأنَّهم شهدوا بيد عَرَف القاضي زوالها، ولم يشهدوا بالملك للمورث.

ولكن ما ذكر في ظاهر الرِّواية أصح؛ لما ذكرنا أنَّ الأيدي المجهولة عند الموت تنقلب يد ملك، فكانت هذه الشَّهادة بالملك من حيث المعنى، ولو شهدوا أنَّها كانت لأبيه، ولم يجروا الميراث إلى المدَّعى، فالقاضي لا يقبل هذه الشَّهادة في قول أبي حنيفة ومحمد [رحمهما الله] (٣)، وهو قول أبي يوسف - رحمه الله - أولاً ثم رجع أبو يوسف عن هذا القول، وقال: تقبل هذه الشَّهادة ويقضي بالدار للمدعي».


(١) ينظر: العناية شرح الهداية (٧/ ٤٥٩)، حاشية رد المحتار (٥/ ٤٩٦).
(٢) المحيط البرهاني (٨/ ٣٧٧).
(٣) سقط من «س».