للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"وقال زفر -رحمه الله-: إذا اشترى عبدين، فإذا أحدهما مدبر لم يجز (١) البيع في العبد سواء سمَّى لكل واحد منهما ثمناً أو لم يكن، فقال: لأن الإيجاب في المدبر والمكاتب وأم الولد فاسد؛ لما ثبت لهم من حق العتق، وقد جعل ذلك شرطاً لقبول العقد في القن منهما (٢) فيفسد العقد كله، كما في مسألة الحر.

وجه قولنا (٣) لكل واحد منهما: دخل في العقد؛ لأن دخول الآدمي في العقد باعتبار الرق والتقوُّم، وذلك موجود فيهما، ثم استحق أحدهما نفسه فكان بمنْزلة ما لو استحقه غيره، بأن باع عبدين فاستحق أحدهما، وهناك البيع جائز في الآخر، سواء سمّى لكل واحد منهما ثمناً، أو لم يسم" (٤)، قوله:

(وفي المكاتب برضاه في الأصح)

[[الجمع بين العبد والمكاتب]]

" احتراز عمّا روى عن أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله- في النَّوادر بخلافه، وذلك غير معتمد عليه" (٥).

(وكذلك في أم الولد عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله-)

"ومسألة أم الولد كانت مختلفاً فيها في الصدر الأول، فكان عمر -رضي الله عنه- يقول: "بأن بيع أم الولد لا يجوز، وعلي -رضي الله عنه- كان يقول بأنه يجوز" (٦)، ثم من بعدهم من السلف اتفقوا على أن بيع أم الولد لا يجوز، والحاصل أن الإجماع المتأخر هل يرفع الاختلاف المتقدم عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله-؟ لا يرفع، وعند محمد يرفع، وقضاء القاضي بخلاف الإجماع لا ينفذ، وعندهما ليس لإجماع التابعين من القوة ما يرفع الخلاف الذي كان بين الصحابة -رضي الله عنهم- أجمعين (٧)، فكان هذا قضاءً في فصل (٨) مجتهد فيه، وإذا ثبت أن المحل قابل للبيع حتى ينفذ قضاء القاضي منه، وقضاء القاضي في غير محله لا ينفّذ عرفنا أنه دخل العقد ثم خرج فصار كما لو خرج بالهلاك قبل القبض، فبقي العقد صحيحاً في الآخر حتى إذا كان قبضهما لزم البيع في القن بحصته من الثمن، وكذلك إن كان عالِماً وقت البيع فإن لم يكن عالِماً به وقت البيع ثم علم بذلك قبل القبض كان له أن يرد القن منهما لتفرق الصفقة قبل التمام، فإن خيار تفرق الصفقة بمنْزلة خيار العيب، فإنما يثبت إذا لم يكن معلوماً " كذا في المبسوط (٩).


(١) سقط من (ب) وهي في هامشه.
(٢) "بينهما" في (ج).
(٣) "أن" زيادة في (ب) و (ج).
(٤) المبسوط للسرخسي (١٣/ ٤).
(٥) المبسوط للسرخسي (١٣/ ٥).
(٦) قال أبو يوسف في الآثار (ص: ١٩٢) قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُنَادِي عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ «بَيْعَ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ حَرَامٌ، إِذَا وَلَدَتِ الْأَمَةُ لِسَيِّدِهَا فَلَيْسَ عَلَيْهَا رِقٌّ بَعْدَهُ» وأخرج عبدالرزاق في مصنفه، كتاب الطلاق، باب بيع الأمهات، رقم (١٣٢٢٩)، (٧/ ٢٩٢) قال: عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ ابْنِ عُمَرَ، فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ قَدْ أَذِنَ بِبَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ قَالَ: فَقَالَ ابْنِ عُمَرَ: لَكِنَّ أَبَا حَفْصٍ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ - أَتَعْرِفُونَهُ؟ «لَمْ يَأْذَنْ بِبَيْعِهُنَّ وَأَعْتَقَهُنَّ»، وأخرج البيهقي في الكبرى، كتاب عتق أمهات الأولاد، باب الرجل يطأ أمته بالملك فتلد منه، رقم (٢١٧٧٦)، (١٠/ ٥٧٥) قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني، أنبأ أبو سعيد بن الأعرابي، ثنا الحسن بن محمد الزعفراني، ثنا محمد بن عبيد، ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن عامر، عن عبيدة السلماني، قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: " استشارني عمر بن الخطاب رضي الله عنه في بيع أمهات الأولاد، فرأيت أنا وهو أنها عتيقة، فقضى بها عمر حياته، وعثمان رضي الله عنهما بعده، فلما وليت أنا، رأيت أن أرقهن ". قال: فأخبرني محمد بن سيرين أنه سأل عبيدة عن ذلك، فقال: " أيهما أحب إليك "، قال: " رأي عمر وعلي رضي الله عنهما جميعا أحب إلي من رأي علي رضي الله عنه حين أدرك الاختلاف ".
(٧) سقط من (ب).
(٨) سقط من (ب).
(٩) المبسوط للسرخسي (١٣/ ٥).