للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَعَنِ الْكَرْخِيِّ -رحمه الله- أَنَّهُ يَجُوزُ بِنِيَّةٍ مُتَأَخِّرَةٍ عَنْ التَّحْرِيمَةِ، وَاخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلِهِ أَنَّهُ إِلَى مَتَى يَجُوزُ؟ قَالَ بَعْضُهُمْ: إِلَى انْتِهَاءِ الثَّنَاءِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِلَى التَّعَوُّذِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِلَى أَنْ يَرْكَعَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِلَى أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، فَإِنْ نَوَى قَبْلَ الشُّرُوعِ؛ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ -رحمه الله- (١) أَنَّهُ لَوْ نَوَى عِنْدَ الْوُضُوءِ، أَنَّهُ يُصَلِّي الظُّهْرَ، أَوِ الْعَصْرَ، مَعَ الْإِمَامِ، وَلَمْ يَشْتَغِلْ بَعْدَ النِّيَّةِ بِمَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ، إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا انْتَهَى إِلَى مَكَانِ الصَّلَاةِ؛ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ جَازَتْ صَلَاتُهُ، بِتِلْكَ النِّيَّةِ.

وامَّا كَيْفِيَّتُهَا فَلَا [يَخْلُو] (٢) إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُنْفَرِداً، أَوْ مُقْتَدِياً، وَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُفْتَرِضاً، أَوْ مُتْنَفِّلاً، مُؤَدِّياً، أَوْ قَاضِياً، فَالْمُتَنَفِّلُ تَجُوزُ صَلَاتُهُ بِنِيَّةِ الصَّلَاةِ، وَكَذَلِكَ التَّرَاوِيحُ وَسَائِرُ السُّنَنِ عِنْدَ مَشَايِخِنَا إِلَى آخِرِهِ، وَفِي "شرح الطحاوي" (٣) فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَشْتَغِلَ قَلْبُهُ بِالنِّيَّةِ وَلِسَانُهُ بِالذِّكْرِ وَيَدُهُ بِالرَّفْعِ.

[[تأخر النية عن الفعل]]

قَوْلُهُ -رحمه الله-: (وَلَا مُعْتَبِرٌ بِالْمُتَأَخِّرَةِ مِنْهَا عَنْهُ) أَيْ: بِالْمُتَأَخِّرَةِ مِنَ النِّيَّةِ، عَنِ التَّكْبِيرِ، فَإِنَّ قَوْلُهُ: (الْمُتَأَخِّرَةُ)؛ صِفَةٌ مُطْلَقَةٌ، فَكَانَ قَوْلُهُ: (مِنْهَا) لِلْبَيَانِ، وَقَوْلُهُ: (عَنْهُ) صِلَةٌ لِلْمُتَأَخِّرَةِ، وَهَذَا نَفْيٌ لِقَوْلِ الْكَرْخِيِّ -رحمه الله- (٤) عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَلَا شَكَّ أَنَّ النِّيَّةَ مَتَى وُجِدَتْ مُقَارِنَةً (٥) لِلشُّرُوعِ؛ فَإِنَّهُ يُجْزِيهِ لِأَنَّ النِّيَّةَ، إِنَّمَا شُرِعَتْ لِتَعْيِينِ الْعَمَلِ، لِلْعِبَادَةِ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ، وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ الْعَمَلُ لَهَا، فَكَذَا (٦) إِذَا كَانَتِ النِّيَّةُ، مُقَارِنَةً لِلشُّرُوعِ (٧).


(١) ينظر: " فتاوى قاضي خان " (ص ١٠٠).
(٢) في المخطوط (أ): (يح) مختصراً، والمثبت من (ب).
(٣) ذكر في بنصه في " الجوهرة النَّيرة شرح مختصر القدوري للزبيدي " (١/ ٤٨).
(٤) وهو قوله: (عَنِ الْكَرْخِيِّ -رحمه الله- أَنَّهُ يَجُوزُ بِنِيَّةٍ مُتَأَخِّرَةٍ عَنْ التَّحْرِيمَةِ) انظر: " الجوهرة النَّيرة شرح مختصر القدوري للزبيدي (١/ ٤٨) و " البحر الرائق؛ لإبن نجيم المصري، ومعه تكملته للقادري " (١/ ٢٩١).
(٥) في (ب): (متقارنة)
(٦) في (ب): (بها هكذا).
(٧) (إذا كانت النية مقارنة للشروع): ساقطة من (ب).