للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأنَّ كلامنا فيما إذا لم يطعن المدَّعَى عليه في الشُّهود، ولو طعن فحينئذ يسأل عنهم، كما لو نازع المشتري الشَّفيعَ فيما في يد الشَّفيع، بأنَّه لا مِلك له فيه، إلى هذا أشار في الأسرار.

وقوله: «إلا في الحدود والقَصَاص» (١): استثناء عن قوله: «يقتصر الحاكم عن ظاهر العدالة» (٢).

وإن طعن الخَصمُ فيهم يسأل عنه، هذا في غير الحدود والقَصاص؛ فإنَّه قد ذكر أنَّ في الحدود والقصاص لا يتوقف السُّؤال عن الشُّهود إلى الطَّعن؛ لأنَّه تقابل الظَّاهران، يعني كما أنَّ الظاهر في أنَّ الشُّهود لا يكذبون في [شهادتهما] (٣)، فكذلك الخصم إذا طعن فيهم أنَّه لا يكذب في طعنه، فيحتاج القاضي حينئذ إلى التَّرجيح (٤).

«وفيه صَونُ قضائه عن البطلان» (٥).

أي: على تقدير ظهور الشُّهود عبيداً، أو كفار؛ يبطل القضاء.

«المستورة» (٦) اسم الرقعة التي يكتبها القاضي، ويبعثها سراً بيد أمينه إلى المزكي، سُميت بهذا لأنَّها تُستَرُ عن نظر [العوام] (٧) (٨).

وذكر في المُغرِبِ (٩): حلية الإنسان صفته، وما يُرى منه من لونٍ وغيره، والجمع حِلى بالكسر والضم (١٠).

«والمُصَلَّى» قيل: المراد به المحلَّة، والظَّاهر أنَّ المراد به مسجد في المحلة.

[في التزكية في السر والعلن]

اعلم أنَّ التَّزكية على نوعين: تزكية السِّر، وتزكية العلانية:

«فصورة تزكية العلانية أن يجمع القاضي بين المُعَدِّل والشَّاهد، فيقول المُعَدِّل للشاهد الذي عدَّله: هذا الذي عدَّلتُ.

وصورة تزكية السِّر أن يبعث القاضي رسولاً إلى المزكِّي، أو يكتب إليه كتاباً فيه أسماء الشُّهود وأنسابهم، وحلاهم، ومحالَّهم، وسوقهم إن كان سوقيَّاً حتَّى يتعرف المزكِّي، فيسأل عن جيرانهم وأصدقائهم، فإذا عرفهم فما عرفه بالعدالة فيكتب تحت اسمه في كتاب القاضي إليه أنَّه عدلٌ جائز الشَّهادة، ومن عرفه بالفسق لا يكون ذلك تحت اسمه؛ بل يسكت احترازاً عن هتكِ السرِّ، أو يقول الله يعلم إلَّا إذا عدَّله غيره، وخاف أنَّه لو لم يصرِّح بذلك يقضي القاضي بشهادته؛ فحينئذٍ يُصَرِّح بذلك، ومن لم يعرفه لا بعدالة ولا بفسق يكتب تحت اسمه في كتاب القاضي مستورٌ، ثم القاضي إن شاء جمع بين تزكية العلانية، وبين تزكية السِّرِّ وإن شاء اكتفى بتزكية السرِّ (١١). كذا في فتاوى قاضي خان» (١٢).


(١). فإنَّه يسأل عنهم الشهود، الهداية (٣/ ١١٨).
(٢) الهداية (٣/ ١١٨).
(٣) في «ج»: [شهادتها].
(٤) يُنظر: البناية شرح الهداية (٩/ ١١٥).
(٥) الهداية (٣/ ١١٨).
(٦) المسألة بتمامها في الهداية (٣/ ١١٨): «ثم التزكية في السرِّ أنْ يبعث المستورة إلى المعدل فيها النسب، والحِلي، والمصلَّى، ويردها المعدِّل».
(٧) في «ج»: [القوام].
(٨) ينظر: العناية شرح الهداية (٧/ ٣٧٩)، البناية شرح الهداية (٩/ ١١٦)، البحر الرائق (٧/ ٦٤).
(٩) المغرب (١/ ١٢٧).
(١٠) ينظر: العناية شرح الهداية (٧/ ٣٧٩)، البناية شرح الهداية (٩/ ١١٦).
(١١) فتاوى قاضي خان (٢/ ٢٧٨).
(١٢) هو الحسن بن منصور بن أبي القاسم محمود بن عبد العزيز الأوزجندي، الفرغاني، المعروف بقاضي خان، فخر الدين، تفقه على أبي أسحق إبراهيم بن إسماعيل بن أبي نصر الصفاري، و أبي الحسن علي بن عبد العزيز المرغينابي وغيرهما، من مصنفاته: «الفتاوي»، و «شرح الجامع الصغير»، و «شرح الزيادات»، و «شرح أدب القاضي للخصاف». توفي ليلة النصف من رمضان سنة ٥٩٢ هـ.
يُنظر ترجمته في: الجواهر المضية (١/ ٢٠٥)، تاج التراجم (١/ ١٥١)، معجم المؤلفين (٣/ ٢٩٧).