للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قلنا: هذا الحديث متروك الظاهر، فإنّا أجمعنا أن صلاة الجنازة وصلاتي العيدين واجبة وليس في الحديث بيانها، أو يحتمل أن ذلك الحديث كان قبل هذا الحديث لورود التخلف بالإجماع.

[أنواع الطواف]

وهذا الطواف طواف القدوم، وله أربعة أسماء: هذان، وطواف اللقاء، وطواف أول العهد.

وفيما رواه سماه تحية، وهو دليل الاستحباب؛ لأن التحية في اللغة اسم لإكرام يُبتدأ به الإنسان على سبيل التبرع (١)، فلا يدل على الوجوب وإن كان على صيغة الأمر كما في قوله: (أكرموا الشهود).

[يعتبر الطواف تحية للبيت]

فإن قلتَ: يشكل على هذا قوله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ … فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} (٢)، وجواب السلام واجب، وإن كان بلفظة التحية.

قلتُ: عنه جوابان.

أحدهما: أن الجواب المقيد بالأحسن ليس بواجب، فكانت التحية لمعنى الأحسن

والثاني: أن لفظة التحية هنا مُخرَّج على طريق المطابقة (لقوله: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ} (٣)، فلا يدل على عدم الوجوب، ولأن الطواف الذي هو ركن مؤقت بيوم النحر بالإجماع (٤) فلا يتكرر ركن واحد في الإحرام كالموقوف، فجعلناه سنة لهذا بخلاف طواف الصدر، فإنه يؤتى به بعد تمام التحلل فلو جعلناه واجبًا لا يؤدي إلى تكرار الطواف الواجب في الإحرام، فكان هذا الطواف بمنزلة ثناء الافتتاح في الصلاة؛ لأن التلبية عند الإحرام هاهنا كالتكبير هناك، وثناء الافتتاح بعد التكبير هناك سنة، فكذا الطواف عقيب الإحرام هنا سنة.

(ثُمَّ يَخْرُجُ إلى الصَّفا فَيَصعَدُ عَلَيْه) (٥) إلى آخره.

وذكر في «التحفة» (٦): والمفرد بالحج إذا طاف طواف اللقاء تحية للبيت، فالأفضل له أن لا يسعى بين الصفا والمروة؛ لأن طواف اللقاء سنة، والسعي واجب فما ينبغي أن يجعل الواجب تبعًا للسنة، ولكن يؤخر إلى طواف الزيارة؛ لأنه ركن، والواجب يجوز أن يجعل (٧) تبعًا للفرض، ومتى أخر السعي عن طواف اللقاء، فإنه لا يرمل فيه، وإنما الرمل سنة في طواف يعقبه السعي عرفناه بالنص بخلاف القياس، فيقتصر على مورد النص، ولكن العلماء رخصوا في [إتيان] (٨) السعي عقيب طواف اللقاء؛ لأن يوم النحر الذي هو وقت طواف الزيارة يوم شغل من الذبح، ورمي الجمار، ونحو ذلك، وكان فيه تخفيف بالناس.


(١) ويقصد به هنا التطوع.
(٢) سورة النساء من الآية (٨٦).
(٣) سورة النساء من الآية (٨٦).
(٤) انظر: المبسوط (٤/ ٣٤)، البدائع (٢/ ١٢٧)، المسالك (١/ ٤٢٦)، تبيين الحقائق (٢/ ٣٣)، الاختيار (١/ ١٩٩)، هداية السالك (٣/ ١١٦٦)، البحر العميق (٢/ ١١٠٦).
(٥) انظر: بداية المبتدي (١/ ٤٤).
(٦) انظر: تحفة الفقهاء (١/ ٤٠٣).
(٧) في (ب، ج): يكون.
(٨) أثبته من (ب).