للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثُمَّ الْمَشَائِخَ -رَحِمَهُمُ اللهُ- اسْتَخْرَجُوْا مِنْ الْحَدِيْثِ أَحْكَامَاً، فَقَالُوْا: فِيْهِ {دَلِيْلُ} (١) جَوَازِ الرَّهْنِ فِي كُلِّ مَا هُوَ مَالٌ مُتَقَوَّمٌ، [مَا يَكُوْنُ] (٢) مُعَدَّاً لِلْطَّاعَةِ وَمَا لَا يَكُوْنُ مُعَدَّاً لَهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، فَإِنَّ دِرْعَهُ -عليه السلام- كَانَ [مُعَدَّاً] (٣) لِلْجِهَادِ {بِهِ} (٤)، فَيَكُوْنُ دَلِيْلَاً لَنَا عَلَى جَوَازِ رَهْنِ الْمُصْحَفِ، بِخِلَافِ مَا يَقُوْلُهُ الْمُتَقَشِّفَةُ (٥): أَنَّ مَا يَكُوْنُ لِلْطّاعَةِ لَا يَجُوْزُ رَهْنُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي صُوْرَةِ حَبْسِهِ عَنْ الطَّاعَةِ (٦).

[الرَّهْن في الحَضَر والسَّفر]

وَفِيْهِ دَلِيْلٌ أَنَّ الرَّهْنَ جَائِزُ فِي الحَضَرِ وَفِي السَّفَرِ جَمِيْعَاً، [فَإِنَّ] (٧) رَهْنَهُ -عليه السلام- بِالْمَدِيْنَةِ فِي حَالِ إِقَامَتِهِ بِهَا، بِخِلَافِ مَا يَقُوْلُهُ أَصْحَابُ الظَّوَاهِرِ (٨) (٩): أَنَّ الرَّهْنَ لَا يَجُوْزُ إِلَّا فِي السَّفَرِ (١٠)؛ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَر? وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبا فَرِهَان? مَّقْبُوضَة?} (١١)، وَالتَّعْلِيْقُ بِالشَّرْطِ يَقْتَضِيْ الْفَصْلُ بَيْنَ الْوُجُوْدِ وَالْعَدَمِ (١٢) (١٣).


(١) سقطت من (أ).
(٢) في (ب): (فيكون).
(٣) في (ب): (معه).
(٤) سقطت من (ب).
(٥) الْمُتَقَشِّفَة: طَائِفَةٌ مِنْ الصُّوفِيَّةِ، الْمُتَعَمِّقَةُ فِي الدِّيْنِ، وَأَصْلُ الْمُتَقَشِّفِ الَّذِي لَا يَتَعَاهَدُ النَّظَافَةَ ثُمَّ قِيلَ لِلْمُتَزَهِّدِ الَّذِي يَقْنَعُ بِالْمُرَقَّعِ مِنْ الثِّيَاب: مُتَقَشِّفٌ، مِنْ الْقَشَفِ، وَهُوَ شِدَّةُ الْعَيْشِ وَخُشُونَتِهِ. يُنْظَر: العناية شرح الهداية (٦/ ٤١)، الْمُغْرِب في ترتيب الْمُعْرَب (ص ٤١٤).
(٦) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٢١/ ٦٤)، الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (١/ ٢٢٦)، الكفاية شرح الهداية (٤/ ١١٥٣).
(٧) في (ب): (وإن).
(٨) أَصْحَابُ الظَّوَاهِر: هم الظاهِرِيَّة، مذهب فقهي أسّسه داود بن علي الأصبهاني الظاهري المتوفى سنة ٢٧٠ هـ، كما يُعَد الإمام ابن حزم الْمُتَوَفَّى سنة المؤسس الثاني والْمُقَعّد لهذا المذهب، ويرى أصحاب هذا المذهب: أن مصدر الفقه هو النصّ فحسب، فلا يأخذون بالقياس، ولا الاستحسان، ولا المصالح المرسلة، قال ابن كثير عن داود الظاهري: رُوِي عن الإمام أحمد أنه تكلم فيه بسبب كلامه في القرآن، وأن لفظه به مخلوق، كما نُسِب إلى الإمام البخاري/، قُلْتُ: وقد كان من الفقهاء المشهورين، ولكن حصر نفسه بنفيه القياس الصحيح، فضاق بذلك ذرعه في أماكن كثيرة من الفقه، فلزمه القول بأشياء قطعية صار إليها بسبب اتباعه الظاهر المجرد من غير تفهم لمعنى النصّ. يُنْظَر: البداية والنهاية لابن كثير (١٤/ ٥٩٥)، سير أعلام النبلاء (١٣/ ٩٧ وما بعدها)، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (٢/ ٢٨٤).
(٩) يُنْظَر: المحلى لابن حزم (٦/ ٣٦٢).
(١٠) الخلاف في مسألة الرَّهن في الحَضَر:
- الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة: يجوز الرهن في الحَضَرِ والسَّفَر.
- الظاهرية: لا يجوز الرهن إلا في السَّفَر. يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٢١/ ٦٤)، الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (١/ ٢٢٦)، المعونة على مذهب عالم المدينة (١/ ١١٥٢)، بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رُشد (٤/ ٥٧)، الأم للشافعي (٣/ ١٤١)، الحاوي الكبير للماوردي (٦/ ٥)، المغني لابن قدامة (٤/ ٢٤٥)، الشرح الكبير على متن المقنع (٤/ ٣٦٧)، المحلى لابن حزم (٦/ ٣٦٢).
(١١) سورة البقرة الآية (٢٨٣).
(١٢) التَّعْلِيْقُ بِالشَّرْطِ يَقْتَضِيْ الْفَصْلُ بَيْنَ الْوُجُوْدِ وَالْعَدَمِ: من القواعد عند الأحناف، وتأتي بلفظ: التعليق بالشرط يقتضي وجود الحكم عند وجود الشرط، ولكن لا يوجب انعدام الحكم عند انعدام الشرط، مثال ذلك: إذا قال لعبده: أنت حُرٌّ إذا جاء فلانٌ حيًّا سالماً من سفَرِه هذا، فإذا تحقق الشرط وجاء فلان حيًّا سالماً فقد عتق العبد، ولكن إذا لم يجيء فلان حيًّا سالماً فهل يقتضي ذلك عدم عتق العبد مطلقاً؟ عند الحنفية: لا يقتضيه لاحتمال أن يعتق بسبب آخر. يُنْظَر: موسوعة القواعد الفقهية للبورنو (٢/ ٣٩٧).
(١٣) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٢١/ ٦٤)، الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (١/ ٢٢٦)، البناية شرح الهداية (١٢/ ٤٦٦).