للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تَعْرِيفُ الْأَذَانِ]

أَمَّا الْأَوَّلُ: فَإِنَّ الْأَذَانَ؛ لُغَةً: الْإِعْلَامُ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (١) أَيْ: إِعْلَامٌ.

وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ حِلِّزَةَ (٢):

آذَنَتْنَا بِبَيْنِهَا أَسْمَاءُ … رُبَّ ثاوٍ يُمَلُّ مِنْهُ الثِّوَاءُ (٣)

أَيْ أَعْلَمَتْنَا.

وَفِي الشَّرِيعَةِ: عِبَارَةٌ عَنْ إِعْلَامٍ مَخْصُوصٍ؛ فِي أَوْقَاتٍ مَخْصُوصَةٍ (٤).

[سَبَبُ الْأَذَانِ]

وامَّا سَبَبُهُ فَعَلَى نَوْعَيْنِ: سَبَبٌ فِي الابْتِدَاءِ؛ وَهُوَ سَبَبُ الثُّبُوتِ، وَسَبَبٌ فِي الْبَقَاءِ.

فَأَمَّا سَبَبُ الثُّبُوتِ فَقَدْ ذَكَرَهُ فِي "الْمَبْسُوطِ" (٥)؛ وهُوَ مَا رَوَى أَبُو حَنِيفَةَ (٦) -رحمه الله- عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ (٧) عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ (٨) عَنْ أَبِيهِ (٩) -رضي الله عنه- قَالَ: «مَرَّ أَنْصَارِيٌّ بِالنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَرَآهُ حَزِينًا، وَكَانَ الرَّجُلُ ذَا طَعَامٍ، فَرَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ، وَاهْتَمَّ (١٠) لِحُزْنِهِ (١١)، فَلَمْ يَتَنَاوَلِ الطَّعَامَ؛ وَلَكِنْ نَامَ فَأَتَاهُ آتٍ فَقَالَ: أَتَعْلَمُ حُزْنَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِن مَّاذَا؟ هُوَ مِنْ هَذَا النَّاقُوسِ (١٢)، فَمُرْهُ فَلْيُعَلِّمْ بِلَالًا الْأَذَانَ» (١٣) وَذَكَرَهُ إِلَى آخِرِهِ (١٤).


(١) سورة التوبة: من آية (٣).
(٢) الحارث بن حَلَزة: هو الحارث بن حلزة بن مكروه بن يزيد اليشكري الوائلي: شاعر جاهلي، من أهل بادية العراق. وهو أحد أصحاب المعلقات. كان أبرص فخورا، ارتجل معلقته بين يدي عمرو بن هند الملك، بالحيرة، ومطلعها: (آذنتنا ببينها أسماء) جمع بها كثيرا من أخبار العرب ووقائعهم. وفي الأمثال (أفخر من الحارث بن حلزة) إشارة إلى إكثاره من الفخر في معلقته هذه، له (ديوان شعر -ط) توفي نحو ٥٠ ق هـ ٥٧٠ م.
انظر: "سمط اللآلي في شرح أمالي القالي لأبي عبيد البكري" (١/ ٦٣٨)، "خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب " للبغدادي (١/ ٣٢٥) "الأعلام للزركلي " (٢/ ١٥٤).
(٣) ينظر "ديوان الحارث بن حلزة " (ص: ١٩)، تحقيق: أميل بديع يعقوب، بيروت، دار الكتاب العربي، الطَّبْعة الأولى، عام ١٤١١ هـ.
(٤) ينظر: " تبيين الحقائق للزيلعي " (١/ ٨٩)، و" الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي " (١/ ٢٤٠)، و" البناية شرح الهداية للعيني " (٢/ ٧٤). و"البحر الرائق؛ لإبن نجيم المصري، ومعه تكملته للقادري" (١/ ٢٦٨)، و"فتح القدير، لإبن الهمام الحنفي" (١/ ٢٤٣)، و"مراقي الفلاح شرح متن نور الإيضاح" (١/ ٧٧).
وقد زاد بعض الأحناف علي هذا التعريف قولهم: (بألفاظ مخصوصة جعلت علماً للصلاة). ينظر: " الجوهرة النَّيرة شرح مختصر القدوري للزبيدي " (١/ ٤٣)، و" اللباب في شرح الكتاب؛ للميداني " (١/ ٥٨).
(٥) انظر "المبسوط للسرخسي " (١/ ١٢٧).
(٦) ينظر: "الآثار" لأبي يوسف (١/ ١٧ - ١٨).
(٧) علقمة بن مرثد: هو الإمام، الفقيه الحجة، علقمة بن مرثد، أبو الحارث الحضرمي، الكوفي، أحد الأئمة، روى عن: أبي عبد الرحمن السلمي. وطارق بن شهاب، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وسعد بن عبيدة، وجماعة. وعنه: غيلان بن جامع، وأبو حنيفة، والأوزاعي، وشعبة، ومسعر، وسفيان، والمسعودي. قال أحمد بن حنبل: هو ثبت في الحديث. توفي سنة ١٢٠ هـ. انظر: تاريخ الإسلام للذهبي (٣/ ٢٨٢)، سير أعلام النبلاء للذهبي (٥/ ٥٠٩).
(٨) ابن بريدة: هو عبد الله بن بريدة بن الحصيب الاسلمي -رضي الله عنه-، كان مولده لثلاث سنين مضين من خلافة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- روى عن: أبيه بريده، وأبي موسى، وعائشة، وعمران بن حصين، وسمرة، وابن مسعود، والمغيرة بن شعبة -رضي الله عنهم- وطائفة كان هو وسليمان تؤمين ولى يزيد بن المهلب عبد الله القضاء بمرو ومات بها سنة ١١٥ هـ.
انظر " مشاهير علماء الأمصار لابن حبان (ص: ٢٠٢) "تاريخ الإسلام للذهبي" (٣/ ٢٥٦) "سير أعلام النبلاء للذهبي " (٥/ ٥٠).
(٩) أبيه: هو الصحابي الجليل بريدة بن الحصيب بن عبد الله الاسلمي، من المهاجرين الأولين ممن هاجر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل قدومه المدينة، ولحق به فلما أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- دخول المدينة قال بريدة لا تدخل المدينة إلا ومعك لواء ثم حمل عمامته وشدها في رمح ومشى بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم قدومه المدينة كنيته أبو سهل وقد قيل أبو ساسان انتقل إلى البصرة وأقام بها زمانا وتوفي في سنة ٦٢ هـ. انظر: "الطبقات الكبرى لإبن سعد" (٤/ ١٨٢)، مشاهير علماء الأمصار لابن حبان … (ص: ١٠٠)، "أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير" (١/ ٢٠٩)، "تاريخ الإسلام للذهبي" (٢/ ٦٢١).
(١٠) في (أ): (اوصتم)، والمثبت من (ب)، انظر: " البناية شرح الهداية للعيني " (٢/ ٧٤).
(١١) في (ب): (بحزنه)
(١٢) النَّاقُوسُ: خَشَبَةٌ طَوِيلَةٌ وأخرى قَصيرَةٌ، يَضْرِبُهَا النَّصَارَى لِأَوْقَاتِ الصَّلَاةِ، واسمُها: الوَبِيلُ، وقد نَقَسَ بالوَبيل النَّاقوسَ، انظر: " المغرب في ترتيب المعرب" للمطرزي (ص: ٤٧٣)، " القاموس المحيط للفيروز آبادي" (ص: ٥٧٨)
(١٣) أخرجه بهذا السند أبو يوسف عن أبيه عن أبي حنيفة في "الآثار" (ص ١٧)، حديث (٨٥). والحديث ضعيف، لضعف (يعقوب بن إبراهيم القاضي)، حيث قال عنه بن حجر في"لسان الميزان، لابن حجر العسقلاني" (٨/ ٥١٨): (قال الفلاس صدوق كثير الخطأ، وقال البخاري تركوه، وقال عمرو الناقد كان صاحب سنة، وقال أبو حاتم يكتب حديثه).
(١٤) باقي الحديث: (قال: فعلمه الأذان: الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله مرتين، أشهد أن محمدًا رسول الله مرتين، حي على الصلاة مرتين، حي على الفلاح مرتين، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله. وعلمه الإقامة مثل ذلك، ثم قال في آخر ذلك: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، كأذان الناس وإقامتهم. قال: فذهب الأنصاري وقعد على باب النبي -صلى الله عليه وسلم-، فمر أبو بكر -رضي الله عنه-، فقال: استأذن لي. فدخل أبو بكر وقد رأى مثل ذلك، فأخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم استأذن للأنصاري فدخل، فأخبره بالذي رأى، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «قد أخبرنا أبو بكر بمثل ذلك». فأمر بلالا يؤذن بذلك.