للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ، كَانَ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ تَارَةً، وَيُعَجِّلُهَا أُخْرَى فَاسْتَشَارَ الصَّحَابَةَ؛ فِي عَلَامَةٍ يَعْرِفُونَ بِهَا وَقْتَ أَدَائِهِ (١) الصَّلَاةَ لِكَيْلَا تَفُوتُهُمُ الْجَمَاعَةَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ نَنْصِبُ رَايَةً؛ حَتَّى إِذَا رَآهَا النَّاسُ؛ أَذِنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ.

وأشار بَعْضُهُمْ بِضَرْبِ النَّاقُوسِ، فَكَرِهَهُ؛ لِأَجْلِ النَّصَارَى، وَبَعْضُهُمْ بِالنَّفْخِ فِي الشَّبُّورِ (٢) فَكَرِهَهُ لِأَجْلِ الْيَهُودِ (٣) وَبَعْضُهُمْ بِالْإِيقَادِ (٤)؛ فَكَرِهَهُ لِأَجْلِ الْمَجُوسِ (٥)، فَتَفَرَّقُوا قَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَى شَيْءٍ (٦) قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ (٧) الْأَنْصَارِيُّ (٨) -رضي الله عنه-: «فَبِتُّ لَا يَأْخُذُنِي النَّوْمُ، وَكُنْتُ بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ؛ إِذَا رَأَيْتُ شَخْصًا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ، وَفِي يَدِهِ شِبْهُ النَّاقُوسِ، فَقُلْتُ: أَتُبِيعُنِي هَذَا؟ فَقَالَ: مَا تَصْنَعُ بِهِ؟ فَقُلْتُ: نَضْرِبُهُ عِنْدَ صَلَاتِنَا؛ فَقَالَ: أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَامَ عَلَى جِذْمِ (٩) حَائِطٍ؛ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ؛ فَأَذَّنَ، ثُمَّ مَكَثَ هُنَيْهَةَ ثُمَّ قَامَ (١٠) فَقَالَ: مَثْلُ مَقَالَتِهِ الْأُولَى؛ وَزَادَ فِي آخِرِهِ؛ قَدِ قَامَتِ الصَّلَاةُ، مَرَّتَيْنِ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وأخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: رُؤْيَا صَادِقٍ (١١) أَوْ حَقٍّ؛ أَلْقِهَا عَلَى بِلَالٍ؛ فَإِنَّهُ أَمَدُّ صَوْتًا مِنْكَ، فَأَلْقَيْتُهَا عَلَيْهِ؛ فَقَامَ عَلَى سَطْحِ أَرْمَلَةٍ، كَانَ أَعْلَى سُطُوحٍ بِالْمَدِينَةِ، وَجَعَلَ يُؤَذِّنُ، فَجَاءَ عُمَرُ -رضي الله عنه- فِي إِزَارٍ؛ وَهُوَ يُهَرْوِلُ، وَيَقُولُ: لَقَدْ طَافَ بِي اللَّيْلَةَ، مَا طَافَ بِعَبْدِ اللَّهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَدْ سَبَقَنِي، فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: هَذَا أَثْبَتُ» (١٢)،


(١) في (ب): (أداء)، في المبسوط وردت بلفظ (أَدَائِهِ)، "المبسوط " للسرخسي (١/ ١٢٧)، وفي المحيط بلفظ (أداء) انظر"المحيط البرهاني لإبن مازة " (١/ ٣٤٠).
(٢) في (ب): (الصور).
والشَّبُّورُ: جَاءَ فِي الْحَدِيثِ تفسيرُه أَنَّهُ البُوقُ، وفَسَّرُوه أَيْضًا بالقُبْع. واللفظةُ عِبْرَانِيَّة، انظر: " النهاية في غريب الحديث والأثر لإبن الأثير" (٢/ ٤٤٠)، "لسان العرب لابن منظور " (٨/ ٣٠٠)
(٣) في (ب): (النصارى واليهود) والصحيح ما أثبت، انظر " المبسوط للسرخسي" (١/ ١٢٧).
(٤) في (ب): (بالنار تُوقد). وورد بلفظ: (وَبَعْضُهُمْ بِالْبُوقِ فَكَرِهَهُ لِأَجْلِ الْمَجُوسِ) ينظر "المبسوط للسرخسي (١/ ١٢٧)، "المحيط البرهاني لإبن مازة (١/ ٣٤٠).
(٥) الْمَجُوسُ: قوم كانوا يعبدون الشمس، والقمر، والنار. وعلى قول الأكثرين ليسوا من أهل الكتاب، ولذا لا تنكح نساؤهم، ولا تؤكل ذبائحهم، وإنما أخذت الجزية منهم لأنهم من العجم لا لأنهم من أهل الكتاب. انظر: " المغرب في ترتيب المعرب" للمطرزي (ص: ٤٣٦).
(٦) المرجع السابق.
(٧) في (ب): (عبيدة).
(٨) عبد الله بن زيد بن عبد ربه بن ثعلبة بن زيد بن الحارث بن الخزرج. صحابي جليل، كنيته أبو محمد كان ممن شهد بدرا والعقبة ومات بالمدينة سنة ٣٢ هـ وهو بن أربع وستين سنة وصلى عليه عثمان بن عفان -رضي الله عنه-
انظر: " الطبقات الكبرى لإبن سعد " (٣/ ٤٠٥) " مشاهير علماء الأمصار لابن حبان " (ص: ٤٠) "سير أعلام النبلاء للذهبي " (٢/ ٣٧٥) "الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر" (٤/ ٨٥)
(٩) الجِذْمُ: الأصْل، أَراد بَقِيَّة حَائِطٍ أَوْ قِطْعَة مِنْ حَائِطٍ. والجَذْمُ والخَذْمُ: القَطْعُ. والانْجِذامُ: الانْقِطاعُ، انظر: "جمهرة اللغة للأزدي (١/ ٤٥٤)، " النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير" (١/ ٢٥٢)، "لسان العرب لابن منظور" (١٢/ ٨٨).
(١٠) في (ب): (أقام).
(١١) في (ب): (صدق).
(١٢) أخرجه أبو داود في"سننه" (ص ٧٨)، كتاب الصلاة، باب كيف الأذان، حديث (٤٩٩)، وأخرجه الترمذي في "سننه" مختصراً (١/ ٢٦٠)، أبواب الصلاة، باب ما جاء في بدء الأذان، حديث (١٨٩)، وأخرجه ابن ماجة في "سننه" (ص ٢٣٢) في كتاب "الأذان والسنة فيها"، باب "بدء الأذان" حديث رقم (٧٠٦)، واحمد في "مسنده" (٢٦/ ٣٩٩) حديث رقم (١٦٤٧٧)، وابن حبان في "صحيحه" (٤/ ٥٧٢) في كتاب "الصلاة"، باب "الأذان" حديث رقم (١٦٧٩)، وقال الترمذي: (حديث عبد الله بن زيد حديث حسن صحيح).