للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولو كانَ خاَلصُ حقَّ الله تعالى مِن كُلِّ وَجهٍ كانْ مصدقًا مِن غيرِ يمين، ولو كانَ خالصُ حقِّ العبادِ منِ كُلّ وجهٍ لا يصَدْق فيه، وإنْ حلف بعدَ وجودِ سببِ الوجوبِ كالبائعِ إذا أدَّعى الخيار بعد إقرارهِ بالبيع، والمشتري إذا ادّعى الأجل في] الثمن (١) بعدَ إقراره] بالشِراء (٢)، وهاهنا أيضًا يدعي المانع بعدَ تحقٌقِ السببِ (٣)، وهو النِّصابُ، فقلنا: لِشُبهةٍ بحقَّ الله تعالى يكون مصدقًا، ولشبهه بحِقَّ العبادِ يستحَلفُ إذا أنكر عملها بالشبهين، كذا ذكره الإمام الْمَحْبُوبِيّ -رحمه الله- (٤) (٥).

[إذا أدّعى دفع الزكاة]

وذكر الإمام التُّمُرْتَاشِي -رحمه الله- (٦)، فكذا إذا قال: هذا المالُ ليسَ للتجارة أوِ هو بضِاعةٌ لفلان، وحَلَفَ صُدّقْ (٧)، وكذا الجوابُ في صدقةِ السَّوَائِم في ثلاثةِ فصولٍ: وهي فصلُ قوله: أصبتُ منُذ شهرٍ، وفصلُ علىَّ دَيّنٌّ، وفصل أديتُ إلى عاشرِ آخر، بخلافِ الفصل الرابعِ وهو قولُه: أدّيتُها أنا إلى الفقراء، فإنه ذَكَرَ أربعَ مسائلَ معطوفًا بعضُها على بعضٍ فاَتخذَ جوابَ الأربعِ في حقِّ الأموالِ الباطنةِ حيث صُدِقَا فيها باليمين، والشهادةُ الظاهرة على تصديقِ قوله: بخلافِ السَّوَائِم، فإنُه لا يَصدقْ فيها في المسألة الرابعةِ لتكذيبِ الظاهرِ إياه في قوله: أنا أديتُ زكاةَ السَّوَائِم إلى الفقراءِ؛ لأنه لم يُفوضْ إليه ذلك؛ لأنه أوصلِ الحقَّ إلى المستحقِ، وصار هذا كالمشتريِ من الوكيل إذا أوفى الثمن إلى المُوكِّل، ولنا أنَّ هذا حقُّ مالِ يستوفيه الإمامُ بولايةٍ شرعيةٍ، فلا يملكَ مَنْ عليه إسقاطَ حقهِ في الاستيفاءِ كمَنْ عليه الجزيةُ إذا صَرَفَ بنفسه إلى المقاتلة، ثُمَّ تقريرُ هذا الكلام من وجهين: أحدهما: أنَّ الزَّكَاةَ محضُ حقِّ لله تعالى؛ فإنما يستوفيه مَنْ تعين نائبًا في استيفاء حقوق الله تعالى، وهو الإمام، فلا تبرأ ذمته إِلاَّ بالصرف إليه، وعلى هذا نقول: وإنْ عُلِم صدقة فيما يقولُ يُؤخذُ منه ثانيًا، فلا يَبرأُ بالأداءِ إلى الفقيرِ فيما بينهُ وبينَ ربهِ، وهو اختيارُ بعضِ مشايخنا (٨)، والطريقُ الآخر: أنْ يقولَ: إن الساعيَ عاملٌ للفقير، وفي المأخوذِ حقُّ الفقير، ولكنهُ مولى عليه في هذا الأخذِ حتى لا يملك المطالبةَ بنفسه، فيكون بمنزلة دَيْن الصغيرِ دفعة المديون إليه ومنه الوصيُّ، وعلى هذا الطريقِ يقولُ: يبرأُ بالأدِاء فيما بينهُ وبينَ ربهِ تعالى، وظاهر قوله في الْكِتَابِ لا يصدق في ذلك إشارة إلى أنه إذا عَلِمَ صدقة لم يتعرضْ له، وهذا لأنَّ الفقير منِ أهلِ أنْ يقبضَ حقَّهُ، ولكنْ لا يجُب الإيفاءُ بطلبه، فإذا أدَّى مَنْ عليه مِن غير مطالبةٍ إليه حصلَ به ما هو المقصود بخلاف الصبي، فإنه ليسَ من أهلِ أنْ يقبضَ حقَّهُ فلا يبرأُ بالدفعِ (٩). كذا في "المَبْسُوط" (١٠).


(١) في (ب): (اليمين).
(٢) في (أ) (بالشِرى) وفي (ب) (بالشراء) ولعل مافي (ب) هو الصواب.
(٣) يُنْظَر: المَبْسُوط (١٧/ ٣٦٢)، الاختيار لتعليل المختار (٢/ ١٤٠).
(٤) هو جمال الدين أبو الفضل عبيد الله بن إبراهيم بن أحمد بن عبدالملك بن عمر بن عبدالعزيز بن محمد بن جعفر بن هارون بن محمد بن أحمد بن محبوب بن الوليد بن عبادة بن الصامت الانصاري العبادي المحبوبي البخاري الحنفي، انتهت إليه معرفة المذهب، والمعروف بأبي حنيفة الثاني، (ت ٦٣٠ هـ).
يُنْظَر: الجواهر المضية (١/ ٣٣٦)، سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاء (٢٢/ ٣٤٥)، الوافي بالوفيات (١٩/ ٢٢٩).
(٥) يُنْظَر: المَبْسُوط (١٧/ ٣٦٢)، الاختيار لتعليل المختار (٢/ ١٤٠).
(٦) هو: أحمد بن إسماعيل بن مُحَمَّد إيدغمش التُّمُرْتَاشِي الخوارزمي، الحنفي ظهير الدين، أبو مُحَمَّد مفتي خوارزم. توفي في حدود سنة ٦٠٠ هـ. من مؤلفاته: شرح الجامع الصغير، يُنْظَر: الجواهر المضية (١/ ٦١)، كشف الظنون (٢/ ١٢٢١)، (الأَعْلَام للزركلي: ١/ ٩٧)، معجم المؤلفين (١/ ١٦٧).
(٧) يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (١/ ٢٨٣).
(٨) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (٢/ ٢٩١).
(٩) زيادة في (ب): (بالدفع إليه).
(١٠) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (٢/ ٢٩١).