للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجمع الِقلّةِ يقعُ على الْعُشْرِةِ فما دونها فلاُبَّد أن يُراد بها حينئذٍ ما دونَ السنةِ بهذا الطريق، كذا في "الفَوَائِد الظَّهِيرِيَّة " (١)، والقولُ قولُ المنْكِرِ مع اليمين، فإنْ قلتَ: الزَّكَاةُ عبادةٌ خالصةٌ لله تعالى، وهي بينَ العبدِ وبين ربهِ تعالى، فكانتْ بمنزلةِ الصومِ والصَّلَاةِ، ولا يُشترطُ التحليفُ للتصديق هُناك، فكيف اشتُرِطَ هنا (٢)؟

قلت: هذا هو وجهُ الرواية التي رواها ابنُ سماعة (٣)، عن أبي يُوسُف -رحمه الله- (٤)، فأمّا ظاهرُ الروايةِ (٥) فهو ما ذُكِرَ في الْكِتَابِ (٦)، ووجهه أنّ هذه عبادة، ولكنْ تعلّقَ بها حقُّ العاشرِ في الأخذِ، وحقُّ الفقراءِ في المنفعةِ فالعاشر بعد ذلك يدّعي عليه معنى لو أقرَّ به يلزمهُ، فيستحلفُ] لرجاء (٧) النُّكولِ (٨) كما في سائر الدعاوَى، ولا يَلزم عليه حدُّ القذفِ (٩)، فإنه لا يستحلف فيه إذا أنكر، وإنْ تعلق حقَّ العباد لمِا أنَّ اليمين مشروعةٌ للنُكول، والقضاء بالنكولِ في الحدودِ مُتعذر (١٠) لمِا عُرفَ بخلاف الصومِ والصَّلَاةِ، فإنه لم يتعلق بهما حقُّ العباد، ولا يكذِبهُ فيهما أحدٌ، ولِأَنَّ الزَّكَاةَ تُشبهُ الصَّلَاةَ والصومَ، مِن حيثُ إنها إحدى أركان اِلدِّيْنِ، وتشبه حقَّ العباد مِنَ الوجه الذي قلنا.


(١) هو كتاب الفَوَائِد الظَّهِيرِيَّة وهو فوائد على الجامع الصغير للحسام الشهيد سماها الفَوَائِد الظَّهِيرِيَّة في الفقه، وهو لظهير الدين أبي بكر مُحَمَّد بن أحمد القاضي الفقيه الأصولي، ومن كتبه أيضا الفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّة، (ت ٦١٩ هـ). يُنْظَر: الجواهر المضية (٢/ ٢٠)، معجم المؤلفين (٨/ ٣٠٣).
(٢) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (٢/ ٢٢٥)، البحر الرائق (٢/ ٢٦١)، تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (٢/ ٣٣٣).
(٣) هو: مُحَمَّد بن سماعة بن عبد الله بن هلال، أبو عبد الله، التميمي فقيه، محدث، أصولي حافظ، حدث عن الليث ابن سعد وأبي يُوسُف ومُحَمَّد، وأخذ الفقه عنهما. يُنْظَر: تهذيب التهذيب: (٩/ ٢٠٤)،، الفَوَائِد البهية: (ص ١٧٠)، الجواهر المضية: (٢/ ٥٨).
(٤) يُنْظَر: المَبْسُوط (٢/ ٢٨٩)، الْبَحْرُ الرَّائِق (٢/ ٢٤٩).
(٥) المقصود ب (ظاهر الرواية) عند الحنفية هي كتب مُحَمَّد بن الحسن الشَّيْبَانِيّ رحمه الله التي رويت عنه بروايات ظاهر ثابتة تصل إلى حد التواتر وهي ستة كتب (المَبْسُوط، الجام الصغير، الجامع الكبير، السير الصغير، السير الكبير، الزيادات). يُنْظَر الطبقات السنية (١/ ٣٤)، رد المحتار (١/ ٦٩)، المذهب الحنفي (١/ ٢٦٠).
(٦) يُنْظَر: مُختَصرُ القُدُوري (ص ٥٩).
(٧) في (ب): (ادعاء).
(٨) النُّكُول بمعنى القُيود الواحد نِكْل ويجمع أَيضاً على أَنْكال وسميت القيود أَنْكالاً لأَنها يُنْكَل بها أَي يُمنع ومنه النُّكول في اليمين وهو الامتناع منها وترك الإِقدام عليها. يُنْظَر: لسان العرب (٦/ ٤٥٤٤).
(٩) قذف بالحجارة "قَذْفًا" من باب ضرب: رمى بها، و"قَذَفَ" المحصنة "قَذْفًا": رماها بالفاحشة، و"قَذَفَ" بقوله تكلم من غير تدبر ولا تأمل. يُنْظَر: المصباح المنير (ص: ٢٥٦).
(١٠) يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (٨/ ٧٥٦).