للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثاني: أنهُ وردَ في قضاءِ رمضانَ نصٌّ بخلافِ قراءتِهِ، وهو ما رُوِيَ أنَّ رجلًا جاءَ إلى رسولِ اللهِ -عليه الصلاة والسلام-، فقالَ: عليّ قضاءُ رمضانَ، فقالَ رسولُ اللهِ -عليه الصلاة والسلام-: «أَحْصِ العِدَّةً وصُمْ/ كيفَ شِئْتَ» (١)، فكانتْ قراءتُهُ منسوخةً بهذا النصِّ، فأمّا النصُ لم يَرِدْ مِنَ النبيِّ -عليه الصلاة والسلام- بخلافِ قراءةِ عبدِاللهِ بنِ مسعودٍ فجازتْ الزيادةُ (بها) (٢) على كتابِ اللهِ تعالى لما بينا. كذا في المَبْسُوطين (٣)، حتى دخل رمضانٌ آخرٌ. قولُهُ: رمضانٌ بالتنوين؛ لأنّ الألفَ والنونَ المزيدتين في غيرِ الصفاتِ شَرْطُ عدمِ انصرافهِ العلميةُ، ووصفُهَ بآخرَ بُكْرَة دليلٌ بكارتهِ (٤).

[[هل تلزم الفدية مع القضاء]]

قولُه: ولا فدِيةَ عليهِ (٥) ففيهِ نفي لقولِ الشَّافِعِي -رحمه الله- (٦)، فإنّ عندَه يلزمُهُ معَ القضاءِ لِكُلِّ يومٍ طعامُ مسكينٍ، ومذهُبهُ مَرْوِيُّ عن ابنِ عُمَر -رضي الله عنهما- (٧)،] ومذهبنا مَرْوِيٌّ عن علي، وابن مسعود (٨) (٩)، وحاصلُ الكلام: أنَّ عندَهُ القضاءُ يتوقفُ بما بينَ رمضانينَ يستدلُ فيهِ بحديثِ عائشةَ -رضي الله عنها- (١٠) أنها كانتْ تُؤَخِرُ قضاءَ أيامِ الحيضِ إلى شعبانَ (١١)، فهذا منها بيانٌ آخرٌ ما يجوزُ التأخير إليهِ، ثُمَّ جعلَ تأخيرَ القضاءِ عن وقتهِ كتأخيرِ الأداءِ عن وقتهِ، فكما أنَّ تأخيرَ الأداءِ عن وقتهِ لا ينفكُّ عن موجبٍ، فكذلكَ تأخيرُ القضاءِ (١٢) عن وقتهِ ولنا ظاهُر قولهِ تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (١٣)، وليس فيه توقيتٌ، فالتوقيتُ بما بينَ الرمضانين يكونُ زيادةً، ثُمَّ هذهِ عبادةٌ مؤقتةٌ فقضاؤُها لا يتوقفُ بما قبلَ مجيءِ وقتٍ مثلِها كسائرِ العباداتِ، وإنما كانتْ عائشةُ -رضي الله عنها- تختارُ للقضاءِ شعبانَ؛ لأنَّ رسولَ اللهِ -عليه الصلاة والسلام- كان لا يحتاجُ إليها فيهِ، فإنهُ -عليه الصلاة والسلام- يصومُ شعبانَ كُلَّهُ، ولَئِنْ كانَ القضاءُ مؤقتًا بما بينَ رمضانين كانَ التأخيرٌ عن وقتِ القضاءِ كالتأخيرِ عن وقتِ الأداءِ، وتأخيرُ الأداءِ عن وقتهِ لا يُوجبُ عليهِ شيئًا، إنّما وجُوبُ الصَّوْم باعتبارِ السببِ لا بتأخيرِ الأداءِ، فكذلك تأخيرُ الأداءِ عن وقتهِ، ثُمَّ الفديةُ تقومُ مقامَ الصَّوْم عندَ اليأسِ عنهُ كما في حقِّ الشيخِ الفاني، وبالتأخيرِ لم يقعْ اليأسُ عن الصَّوْم، فالقضاءُ واجبٌ عليهِ، ولا معنى لإيجابِ الفديةِ، وكما لا يَتضاعفُ القضاءُ بالتأخيرِ فكذلكَ لا ينضمُّ القضاءُ إلى الفداءِ؛ لأنَّ انضمامَ القضاءِ إلى الفداءِ في معنى التضعيف. كذا في «المَبْسُوط» (١٤).


(١) رَوَاهُ ابن أبي شيبة في منصنفه (٩٢٠٩ - ٣/ ٣٢)، والْبَيْهَقِي في سننه الكبرى (٨٤٩٦ - ٤/ ٢٥٨)، والدَّارقُطنيّ في سننه (٢/ ١٩٢).
(٢) سقطت في ب.
(٣) يُنْظَر: المَبْسُوط للشيباني (٢/ ٢١٨)، المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ١٣٥).
(٤) يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (٤/ ١٤٤).
(٥) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١٢٦).
(٦) يُنْظَر: الْحَاوِي (٣/ ٤٥١)، الْمَجْمُوع (٦/ ٣٦٤).
(٧) يُنْظَر: الاستذكار (٣/ ٣٦٧)، الْمُغْنِي (٣/ ٨٥).
(٨) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ١٣٨).
(٩) سقطت في (ب).
(١٠) أخرجه الْبُخَارِيُ في صحيحه، باب متى يقضى قضاء رمضان (٣/ ٣٥)، ومسلم في صحيحه، باب قضاء رمضان في شعبان (٣/ ١٥٤)، من قولها -رضي الله عنها-.
(١١) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ١٣٨).
(١٢) يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (١/ ٣٣٦).
(١٣) سورة البقرة الآية (١٨٤).
(١٤) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ١٣٨، ١٣٩).