للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: اختلفَ الحُكم لاختلافِ المقاصدِ والآثارِ، ولا اعتبارَ لصورةِ التعليل بالثمنية، بل الاعتبارُ بأنَّ التعليل بها يقع بعلةٍ قاصرة أو متعديةٍ، فعلّلَ هو بها فوقعتْ قاصرةً، وعللنا نحن بها فوقعت متعديةً؛ لأن مقصودنا بذلك التعليل أنه تجبُ الزَّكَاةُ في النقدين، وفيما يتُخذُ منهما آنية أو حليًا، ومقصودُ الخصمِ بذلك التعليل في مسألة الرِّبا الحجرُ عن تعديةِ تعليل النقدين إلى غيرهما، ثُمَّ حُكم الزَّكَاةِ في الأواني والحُليِّ يختلفُ بين أداءِ الزَّكَاةِ من عينها وبين أدائها مِن قيمتها، فإنهُ إذا كان له إناءُ فضةٍ وزنهُ مائتان وقِيمتهُ ثلاثُ مائة درهم، فإنْ زَكَّى من عينِهِ تَصَدّقَ بِرُبعِ عُشرةِ على الفقيرِ، فيشاركُه فيهِ، وإنْ أدّاه مِنْ قيمتِه فعندَ محمد (١) يعدِلُ إلى خلافِ الجِنْسِ وهو الذَّهَبُ؛ لأنّ الجودةَ مُعتبرةٌ عندهُ.

وأمَّا عند أبي حَنِيفَةَ -رحمه الله-: فلو أدّه خمسةً مِن غير الإناء سقطتْ عنه الزكاة؛ لأن الحكم عنده مقصور على الوزن، فإن أدى من الذَّهَبِ ما يبلغُ قِيمَتُه قيمة خمس دراهم من غير الإناء لم يجز في قولهم جميعاً؛ لأن الجودةَ متقومةٌ عند المقابلة بخلاف الجنس، فإن أدّى القيمة وقعتْ عن القدر المستحق كذا في "الإيضاح" (٢) (٣).

فَصلٌ في العَرُوض

أخّرَ العُروضَ للاختلاف فيها أو لأنها تُقَّومُ بالنقدين، فيكونُ بناءً عليهما العُروض جمع عَرَضَ بفتحتين: حُطام الدُّنيا (٤)، كذا في "المُغْرِب" (٥)، و"الصِّحَاح" (٦).

[[تعريف العروض]]

وذكر في "الصِّحَاح" أيضًا: والعرْض بسكون الراءِ المتاع، وكلُّ شيءٍ فهو عَرْض سوى الدراهَم والدنانيرَ، وقال أبو عُبيد (٧): العُروضُ الأمتعة التي لا يدخلها كيلٌ ولا وزن، ولا يكون حيوانًا ولا عقارًا.


(١) يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (٢/ ٢٤٣).
(٢) كتاب الْإِيضَاحِ في شرح التجريد، لايزال مخطوط في ثلاث مجلدات مؤلفه عبد الرحمن بن مُحَمَّد بن أميرويه، أبو الفضل الكرماني: فقيه حنفي مولده بكرمان ووفاته بمرو سنة ٥٤٣ هـ. يُنْظَر: الأَعْلَام للزركلي (٣/ ٣٢٧).
(٣) يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (٢/ ٢٤٣).
(٤) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٢١٧).
(٥) يُنْظَر: (٢/ ٥٤).
(٦) يُنْظَر: (٣/ ١٠٨٣).
(٧) هو: القاسم بن سلام، أبو عبيد. كان أبوه روميًا عبدًا لرجل من هراة، أما هو فقد كان إماما في اللغة والفقه والحديث. قال إسحاق بن راهويه: أبو عبيد أعلم مني وأفقه. قال الذهبي: (كان حافظًا للحديث وعلله، عارفا بالفقه والاختلاف، رأسا في اللغة، إماما في القراءات له فيها مصنف. توفي بمكة سنة أربع وعشرين ومائتين، من تصانيفه: كتاب (الأموال)، و (الغريب)، و (الناسخ والنسوخ)، و (الأمثال).
يُنْظَر: الثقات لابن حبان (٩/ ١٦)، التاريخ الكبير (٧/ ١٧٢)، الجرح والتعديل (٧/ ١١١).