للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمّا اعتبارُهُ بالمهرِ قلنا: ليسَ كالمهرِ إنما وَجَبَ على الزوجِ بسببِ مُلْكِ النِّكاحِ، ومُلْكِ النِّكاحِ إنما يثبتُ للرجلِ على الخصوصِ لا للمرأةِ، فلا يشتركانِ في الوجوبِ كالنفقةِ، وأمّا هاهُنا سببُ وجُوبِ الكفارةِ الفِطْرُ، وقد اشتركا فيهِ، وأما ثمنُ ماءُ الاغتسالِ فلا يسلمُ أنهُ يجبُ عليهِ، بلْ يجبُ عليها؛ لِأنَّ بالجِماعِ يستوفي منافَع البُضْعِ، وقد ضمَّنَ بإزائهِ عِوضًا فلا يُضمَّنُ إِلاَّ آخرَ كالبيعِ. وذَكَرَ الفقيهُ أبو الليث -رحمه الله- (١): أنَّ ثمنَ ماءِ الاغتسالِ لا يجبُ على الزوجِ، وعن بعضِ مشايخِ بلخ (٢) أنهم اعتبروهُ بثمنِ ماءِ الشُّربِ (٣)، كذا في مبسوطِ شَيْخُ الإسْلَامِ -رحمه الله- (٤). وكلمة مَنْ تظمُ الإناث كقولهِ تعالى: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} (٥). ولو أَكَلَ أو شَرِبَ ما يتغذى بهِ أو يتداوى فعليهِ القضاءُ والكفارةُ، (وقال الشَّافِعِي -رحمه الله-: لا كفارةَ عليهِ) (٦).

[[مسألة أكل مايتداوى به]]

الكلام/ هاهنا في ستةِ مواضعَ: أحدٌها: في وجوبِ القضاءِ، وهو قولُ جمهورِ العلماءِ (٧)، وقالَ الأُوزاعِيُّ (٨): ليسَ عليه القضاءُ، واستدلَّ بحديثِ الأعرابي، فإنَّ النبيَّ -عليه الصلاة والسلام- بيّنَ حُكْمَ الكفارةِ لهُ، ولم يُبيّنْ حُكْمَ القضاءِ في موضعِ الحاجةِ، وقالَ -عليه الصلاة والسلام-: «مَنْ أَفْطَرَ في رمضانَ متُعمدًا، فعليهِ ما على المُظاهرِ» (٩)، وليسَ على المظاهرِ شيءٌ سِوى الكفارةِ، ولنا أنهُ وجبَ عليه أداءُ الصَّوْم بشهورِ الشَّهرِ، وقد انعدمَ الأداءُ عنهُ فلزِمُهُ القضاءُ كما لو كانَ معَذورًا، أو فَوَّتَ ما لزِمَهُ مِنَ الأداءِ لتضمُنِهِ بمثلِ مَنْ عندَهُ كما في حقوقِ العبادةِ، وإنما أرادَ بقولهِ فعليهِ ما على المُظاهرِ بسببِ الفِطْرِ، وبه يقولُ: إنَّ وجُوبَ القضاءِ ليسَ بسببِ الفِطْرِ، وإنما بيّنَ الأعرابيُّ ما كانَ مُشكلًا.


(١) يُنْظَر: الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (١/ ٥٤٩).
(٢) بلخ: مدينة مشهوره بخراسان في كتاب الملحمه المنسوب إلى بطليموس بلخ طولها مائه وخمس عشره درجه وعرضها سبع وثلاثون درجه وهي في الإقليم الخامس طالعها إحدى وعشرون درجه من العقرب تحت ثلاث عشره درجه من السرطان يقابلها مثلها من الجدي بيت ملكها مثلها من الحمل عاقبتها مثلها من السرطان. (معجم البلدان: ١/ ٤٧٩).
(٣) يُنْظَر: الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (١/ ٥٤٩).
(٤) بحثت عنها في المَبْسُوط وفي الجامع الصغير للشيباني ولم أجدها وأشار إليها ابن عابدين في حاشيته (٣/ ٥٨٠).
(٥) سورة الأحزاب، الآية (٣١).
(٦) يُنْظَر: الْحَاوِي (٣/ ٤٣٤)، المهذب (١/ ١٨٣).
(٧) يُنْظَر: المَبْسُوط (٣/ ١٣١)، تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (١/ ٣٦١).
(٨) يُنْظَر: الاستذكار (٣/ ٣١٣)، الْمُغْنِي (٣/ ٣٦).
(٩) أخرجه الْبَيْهَقِي في سننه (٧٨٥٨ - ٤/ ٢٢٩)، والدَّارقُطنيّ في سننه (٥٢ - ٢/ ١٩٠)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-. وقال ابن حجر في الدراية في تخريج أحاديث الهِدَايَة: (١/ ٢٧٩): أخرجه الدَّارقُطنيّ وفيه أبو معشر وهو ضعيف.