للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العلة في تحديد العُشّر]

وعلّلَ بعضُ مشايخنا بِعلَةِ المؤنةِ فيما سقْتهُ السماءُ، وكثُرتْ للمؤنة فيما سقى بغربٍ أو داليةٍ، فقالوا: الكثرةُ المؤنة تأثيرٌ في نُقصانِ الواجبِ، وهذا ليس بقويِّ، فإنّ الشَرْعَ أوجبَ الخُمس في الغنائِم، والمؤنة فيها أعَظَمُ منِها في الزِراعةِ، ولكنّ هذا تقديرٌ شرعيٌّ فتِبُعُه، ويعتقدُ فيه المصلحةَ، وإنْ لم تقفْ عليها، وإنْ سقىِ سيحًا وبداليةٍ، وإنما ذكر المعطوف بالياء دونَ المعطوفِ عليه لما أنّ السيحُ اسمٌ للماءِ دون الداليةِ،] فإن الدالية: آلةُ الاستقاءِ، فلا يَصحُّ أنْ يقُالَ: وإنْ سقى داليهً؛ لأنّ الداليةَ (١) غيرُ مَسْقية، بلْ هي آلةُ السقي فلذلك ذكرها بالياء؛ لأنُه لا يمكنُ التقديرُ الشرعي، وهو الوَسَقُ فيهِ، أي: فِيما لا يُوسَقُ كالزعفرانِ، والقطنِ الإحمالِ (٢) - جمع حمِلٍ بكسر الحاء - كذا في "المُغْرِب" (٣)؛ لأنّ التقديرَ بالوَسَقِ كان باعتبار أنه أعلى ما تُقَدَّرُ به؛ لأنّ الوَسَقُ أقصى ما يُقْدرٌ من معياره؛ لأنه يقدر أولًا بالصياع، ثُمَّ بالكيلِ، ثُمَّ بالوسقِ، فكان الوَسَقُ أقصى ما يُقَدَّرُ مِن معيارهِ، وأقصى ما يُقدَّرُ في السُّكر، والزعفرانُ إنما هَو المُنّ؛ لأنهُ تُقَدَرُ أولًا بالسنجاتِ (٤)، ثُمَّ بالأساتيرِ (٥)، ثُمَّ بالمَنَّ (٦) فكان المَنُّ أَقصى ما تقدرُ به الزعفرانَ مِن معيارِه في العَسَل الفِرقُ، وفي القُطْنَ أقصى ما يقدر به الحِمْل؛ لأنه لا يقدر بالسنجات، وإنما يقدر بالأسانينِ، ثُمَّ بالحمل فكان الحمل أعلى ما تَقُدْرُ به القِطْنُ، كذا في مبسوط شَيْخُ الإسْلَامِ (٧)، وفي العسل إذا أخذ من أرض الْعُشْرِ، وإنما قُيِّدُ بأرضِ العُشّر؛ لأنه إذا كان في أرضِ الخراجِ فلا شيءَ فيهِ لا خراجَ، ولا عُشر كما تبين (٨).


(١) سقطت في (ب).
(٢) الحِمْل بالكسر مايحمل على الظهر ونحوه والجمع أَحْمَال وحُمُول، يُنْظَر: المصباح المنير (١/ ١٥١).
(٣) يُنْظَر (١/ ٢٩٣).
(٤) سَنْجَةُ الميزان معرب و الجمع (سَنَجَاتٌ) مثل سجدة وسجدات ويقال (صَنْجَةُ) الميزان بالصاد والسين أعرب وأفصح فهما لغتان. يُنْظَر: المصباح المنير (١/ ٢٩١).
(٥) الأستار وزن أربعة مثاقيل ونصف، والجمع الأساتير. يُنْظَر: الصِّحَاح (٢/ ٢٤٠).
(٦) المنُّ: بالفتح والتشديد جمع أمنان، ويقال له المنا، وهو يساوي رطلان، وجمع المنا أمناء، قال ابن سيده: المن كيل، أو ميزان، وهي أداة وزن تساوي رطلين، والرطل = ١٢ أوقية، فهو مكيال سعته رطلان عراقيان، أو أربعون أستارا " = ٣٩، ٨١٥ غراما، يُنْظَر: لسان العرب (١٣/ ٤١٥)، معجم لغة الفقهاء (١/ ٤٦٠).
(٧) بحثت عنها في مبسوط شيخ الإسلام الشَّيْبَانِيّ رحمه الله ولم أجدها ووجدتها في الجامع الصغير ص (١٣٠).
(٨) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٢٤٦).