للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أبوحنيفة -رحمه الله-: "إذا ارتدَّت الأَمَة واحتاج المولى إلى خِدمتها دُفِعت إليه، وأمره القاضي أنْ يجبِرها على الإسلام (١) وأَرسل إليها القاضي كلَّ أيام يهدِّدها ويضربها أسواطًا، يصنَع بها حتَّى تَموتَ أو تسلِم" (٢) لأنَّ المنافِع للمَولى لا (٣) تسقُط حقُّه بكفرِها، وقَد أمكَن الجمع بين توفير حقِّ المولى والإجبار على الإسلام، فيفعل (٤)؛ كذا في الإيضاح.

(بَينَ الحقَّين) أي: الجبر والاستخدام.

قوله: (ويُروى: تُضرب في كل أيام) (٥) يعني: "درهر جند كاهي" (٦)، كذا كان (٧) بخطِّ شيخي -رحمه الله-.

[[آثار الردة]]

(ويزول ملك المرتدِّ عن أمواله بِردَّته زوالًا مراعىً) أي: محفوظًا وموقوفًا زوالُه إلى أنْ يتبيَّن (٨) حاله؛ لأنَّ ردَّته توجِب زوال ملكِه (٩) على قول أبي حنيفة -رحمه الله-، ثم لو أسلم فالمال (١٠) على ما كان.

(وإن مات أو قتل) فعمل السَّبب المزيل لملكه وقتَ الموت والقتل مستندًا إلى أوَّل السَّبب، وهو الرِّدة كما في البَيع بشرط الخيار، فإنَّه إذا أُجيز يَثبُت الملك مِن وقت العَقد حتَّى يستحقَّ المشتري البيع بزوائده المتَّصلة والمنفصِلة جميعًا. فعلى هذا الطريق يكون التَّوريث فيه توريثَ المسلم من المسلم. فإنْ قيل: زوال ملكِه إمَّا أنْ يكون قبل الرِّدَّة، أو معها، أو بعدها، والحكم (١١) لا يسبِق السَّبب، ولا يقترن به بل يُعقِبه، (١٢) وَ (١٣) بعد الرِّدة هو (١٤) كافر. قلنا: نعَم، المزيل للملك ردَّته كما أنَّ المزيل للملك موتُ المسلم ثُمَّ الموت يزيل الملك عن الحيِّ، لا عن الميِّت، فكذلك الرِّدَّة تزيل الملك عن المسلم. وكما أنَّ الرِّدة تزيل مُلكَه، فكذلك تزيل عِصمة نفسِه، وإنَّما تزيل العِصمة عَن معصوم، لا عن غير معصوم، فعرَفنا أنَّه يتحقَّق بهذا الطَّريق


(١) ينظر المبسوط للسرخسي (١٠/ ١١٢)، العناية شرح الهداية (٦/ ٧٣).
(٢) ينظر البناية شرح الهداية (٧/ ٢٧٢).
(٣) في (ب) "لم".
(٤) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٣/ ٢٨٥).
(٥) الهداية في شرح بداية المبتدي (٢/ ٤٠٧).
(٦) بمعنى تضرب كل الأيام، والله أعلم.
(٧) ساقط من (ب).
(٨) في (ب) "نبين".
(٩) ينظر المبسوط للسرخسي (١٠/ ١٠١).
(١٠) في (ب) "فالمال ماله".
(١١) في (ب) "فالحكم".
(١٢) في (ب) "وهذا اختيار بعض المشايخ. أمّا الصحيح من المذهب أن يقترن الحكم مع العلة، وأراد بالسبب العلة هنا، ذكره في أصول الفقه" بعد قوله "يعقبه".
(١٣) ساقط من (ب)،
(١٤) في (أ) زيادة "و".