للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فإذا رجع] (١) الشُّهود عن شهادتهم سقطت الشَّهادة عن إلزام القضاء بخلاف ما بعد القضاء، فإن جانب الصِّدق قد تأكد بقضاء القاضي في حق المقضي له فيه بتيقن جانب الكذب في الرجوع (٢).

وقوله: «لأن آخر كلامهم يناقض أوله؛ فلا ينقض الحكم بالمتناقض» (٣)؛ لأنَّ القاضي كما لا يقضي بالكلام المتناقض؛ [فكذلك] (٤) لا ينقض ما قضاه بالكلام المتناقض؛ ولأنَّه لو اعتبر رجوعه في إبطال القضاء أدى إبطاله إلى ما لا يتناهى؛ لأنَّه يأتي بعد ذلك فيرجع عن هذا الرجوع، فيجب إعادة القضاء الأول. كذا في المبسوط (٥).

«لإقرارهم على أنفسهم بسبب الضمان» (٦)، وهو الإتلاف؛ لأنَّهم لما رجعوا بعد قضاء القاضي، فقد أقروا على أنفسهم بالإتلاف.

وهذا لأنَّ القاضي بمنزلة الملجأ من جهتين، فإنَّ بعد ظهور عدالتهم يحق عليه القضاء شرعاً، فكان سبب القضاء شهادة الشُّهود، والتسبب إذا كان تَعَدِّيَا بمنزلة المباشرة في إيجاب ضمان المال (٧).

[في شرط أن يكون الرجوع بحضرة الحاكم]

«ولا يصح الرجوع إلا بحضرة الحاكم» (٨).

فإن قيل: ينبغي أن لا يكون الرجوع مختصًا بمجلس القضاء؛ لأنَّ الرجوع من الشَّاهد إقرارٌ بضمان مال المشهود عليه على نفسه بسبب الإتلاف بالشَّهادة الكاذبة على ما ذكر، والإقرار بالضمان لا يختص بمجلس القضاء.

قلنا: ما كان شرطاً في الابتداء يكون شرطاً في البقاء، كالبيع، فإنَّ وجوده شرط لصحة البيع؛ فكذا بقاؤه شرط لصحة الفسخ؛ فكذلك الشَّهادة في مجلس القضاء شرطٌ لصحة الشَّهادة، فكذا يجب أن يكون مجلس القضاء شرطاً لفسخ الشَّهادة، وهو الرجوع عن الشَّهادة، ولا يلزم على هذا إحضار رأس مال السَّلم، فإنَّه ليس بشرط في فسخ السلم، مع أنَّه مشروط في ابتداء عقد السلم؛ لأنا نقول اشتراط وجود رأس مال السلم في مجلس عقد السلم لا لعقد السلم؛ بل يفسد السلم بعد الصحة إذا افترقا لا عن قبضٍ، احترازاً عن الكالئ بالكالئ، وذلك المعنى لا يوجد في الفسخ، [فلذلك] (٩) لم يحتج إلى إحضار رأس المال وقت الفسخ؛ لانعدام ذلك المعنى، وهو عقد النسيئة بالنسيئة.


(١) في «ج»: [قال: أرجع].
(٢) ينظر: المبسوط (١٦/ ١٧٩).
(٣) الهداية (٣/ ١٣٢).
(٤) في «س»: [فلذلك].
(٥) ينظر: المبسوط (١٦/ ١٧٦).
(٦) الهداية (٣/ ١٣٢).
(٧) ينظر: المبسوط (١٦/ ١٧٩).
(٨) الهداية (٣/ ١٣٢).
(٩) في «ج»: [فكذلك].