للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(ولأن الفساد باعتبار اليوم الرابع … إلى آخره) (١)

فلا يستقيم القول بارتفاع الفساد وبحذف الشرط المفسد؛ (٢) لأنه لم يتصل المفسد بالعقد؛ لأن المفسد هو اتصال اليوم الرابع، ولما أجاز في اليوم الثلاثة علم أن العقد كان جائزاً في الأصل، وهذا كله إشارة إلى ما ذكرنا في اختلاف المشائخ (٣) في حكم هذا العقد في الابتداء على قول أبي حنيفة - رحمه الله - أنه انعقد فاسداً أو موقوفاً (٤).

[[المدة في نقد الثمن]]

ولو اشترى على (٥) أنه لم ينقده الثمن إلى آخره (٦)،

"اعلم أن هذه المسألة على وجوه:

إما أن لا (٧) يبين الوقت أصلاً بأن قال: على أنك إن لم تنقد الثمن فلا بيع بيننا، أو يبين وقتاً مجهولاً بأن قال: على أنك إن لم تنقد الثمن أياماً، ففي هذين الوجهين العقد فاسد، وإن بيّن وقتاً معلوماً إن كان ذلك الوقت مقدراً بثلاثة أيام أو دون ذلك فالعقد جائز (٨) عند علمائنا الثلاثة، والقياس يأبى جواز العقد مع هذا/ الشرط، وبه أخذ زفر -رحمه الله-؛ لأنه شرْطٌ لا يقتضيه البيع، وهو شرط الفسخ متى لم ينقد الثمن ثلاثة أيام، فكان هذا بيعاً فيه إقالة معلقة بعدم النقد فلا يجوز (٩)، كما لو باع بشرط الإقالة، ولكن تركنا القياس فيما إذا كان الوقت مقدراً بثلاثة أيام بحديث عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- فإنه (باع ناقة بهذا الشرط) (١٠) وقول الواحد من فقهاء الصحابة مقدم على القياس (١١)،


(١) قال في الهداية: "فإذا أجاز قبل ذلك لم يتصل المفسد بالعقد، ولهذا قيل: إن العقد يفسد بمضي جزء من اليوم الرابع، وقيل: ينعقد فاسداً ثم يرتفع الفساد بحذف الشرط، وهذا على الوجه الأول" الهداية في شرح بداية المبتدي (٣/ ٩٥٠).
(٢) "لأنه لم ينعقد فاسداً" زيادة في (ب).
(٣) يقصد أهل العراق وأهل خرسان.
(٤) قال في المحيط: "وذكر أبو الحسن الكرخي نصاً عن أبي حنيفة في مسألة الخيار أن البيع موقوف على إجازة المشتري في المدة، وأثبت للبائع حق الفسخ قبل الإجازة، ومعنى هذا أن الخيار للمشتري، فيكون ولاية الإلزام له، ولكن لما كان العقد موقوفاً يتمكن البائع من الفسخ؛ لأن كل واحد من المتبايعين يتمكن في فسخ العقد الموقوف". المحيط البرهاني (٦/ ٤٠٥).
(٥) سقط من (ب).
(٦) قال في الهداية: "ولو اشترى على أنه إن لم ينقد الثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينهما جاز، وإلى أربعة أيام لا يجوز عند أبي حنيفة وأبي يوسف. وقال محمد: يجوز إلى أربعة أيام أو أكثر، فإن نقد في الثلاث جاز في قولهم جميعاً" الهداية في شرح بداية المبتدي (٣/ ٩٥٠).
(٧) "لم"زيادة في (ب).
(٨) قال في الاختيار: "الأصل ينفي جواز الشرط؛ لما فيه من نفي ثبوت الملك الذي هو موجب العقد، فلا يصح كسائر موجبات العقد، وكذلك النص ينفيه، وهو قوله - عليه الصلاة والسلام - لعتاب بن أسيد حين بعثه إلى مكة: «انههم عن بيع وشرط، وبيع وسلف». وروي أنه - عليه الصلاة والسلام - «نهى عن بيع وشرط»، إلا أنا عدلنا عن هذه الأصول وقلنا بجوازه ثلاثة أيام؛ لما روينا من حديث حبان، والحاجة إلى دفع الغبن تندفع بالثلاث، فبقي ما وراءه على الأصل، والحاجة للبائع والمشتري، فثبت في حقهما؛ ولو شرط الخيار أكثر من ثلاثة أيام، أو لم يبين وقتاً، أو ذكر وقتاً مجهولاً فأجاز في الثلاث أو أسقطه، أو سقط بموته أو بموت العبد، أو أعتقه المشتري، أو أحدث فيه ما يوجب لزوم العقد ينقلب جائزاً، خلافاً لزفر؛ لأنه انعقد فاسداً فلا ينقلب جائزاً. ولأبي حنيفة أن المفسد لم يتصل بالعقد؛ لأن الفساد باليوم الرابع، حتى إن العقد إنما يفسد بمضي جزء من اليوم الرابع، فيكون العقد صحيحاً قبله، ولأنها مدة ملحقة بالعقد مانعة من انبرامه فجاز أن ينبرم بإسقاطه كالخيار الصحيح، وشرط خيار الأبد باطل بالإجماع" الاختيار لتعليل المختار (٢/ ١٣).
(٩) " البيع" زيادة في (ب).
(١٠) لم أجد لهذا الأثر مصدرا ..
(١١) اختلف الأحناف في قبول خبر الصحابي الفقهي وغير الفقهي، فقال في كشف الأسرار: " واعلم أن ما ذكرنا من اشتراط فقه الراوي لتقديم خبره على القياس مذهب عيسى بن أبان، واختاره القاضي الإمام أبو زيد، وخرج عليه حديث المصراة، وخبر العرايا، وتابعه أكثر المتأخرين. فأما عند الشيخ أبي الحسن الكرخي ومن تابعه من أصحابنا فليس فقه الراوي بشرط لتقديم خبره على القياس، بل يقبل خبر كل عدل ضابط إذا لم يكن مخالفاً للكتاب والسنة المشهورة، ويقدم على القياس، قال أبو اليسر: وإليه مال أكثر العلماء؛ لأن التغيير من الراوي بعد ثبوت عدالته وضبطه موهوم. والظاهر أنه يروي كما سمع ولو غير لغير على وجه لا يتغير المعنى، هذا هو الظاهر من أحوال الصحابة والرواة العدول؛ لأن الأخبار وردت بلسانهم، فعلمهم باللسان يمنع من غفلتهم عن المعنى، وعدم وقوفهم عليه، وعدالتهم، وتقواهم تدفع تهمة التزايد عليه والنقصان عنه. قال: ولأن القياس الصحيح هو الذي يوجب وهنا في روايته، والوقوف على القياس الصحيح متعذر، فيجب القبول؛ كي لا يتوقف العمل بالأخبار" أصول السرخسي (١/ ٣٤٢)، كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (٢/ ٣٨٣).