للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[باب زكاة الزروع والثمار]

المرُادُ بالزَّكَاةِ هنا الْعُشْرِ، فكما سمُيَ آخِذُ الزَّكَاةِ بالعاشِر فيما تقدَّم سُمِيَ الْعُشْرِ هنا بالزَّكَاةِ لما بينهما من المناسبةِ التي يجيء، وقال الإمام بدر الدين] الكردري (١) -رحمه الله- (٢): تسميةُ الزَّكَاةِ هنا خرجتْ على قولهما؛ لأنهما يشترطانِ النصابَ والبقاءَ، فكان هو نوعُ زكاةٍ، ثُمَّ إلحاقُ الْعُشْرِ بالزَّكَاةِ، وتأخيرُه عنها ظاهرًا بالإلحاق، فلأن الله تعالى قرنهما في الكتاب، وأَخَّرَ الْعُشْرِ عنها في قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} (٣) قِيل: المرادُ بالمكسوب: مالُ التجارةِ، وفيهِ بيانُ زكاةِ التجارةِ، والمرادُ مِن قوله: أخرجنا لكمْ مِن الأرضِ الْعُشْرِ، كذا في "المَبْسُوط" (٤)، ولأنهما من الوظائف المالية، وإنّ وجوبها بالقدرةِ الميسرةِ، وأما التأخيرُ بعدما ثبت بالْكِتَابِ كذلك/ فإنَّ الْعُشْرِ مَؤنة فيها معنى القُرْبِةُ، والقُرْبِةُ فيهِ تابعةٌ، والزَّكَاةُ قربة محَضةٌ، وهي مِن أركان الدِّين فَتُقَدْم العباداتُ الخالصةُ على غيرِها في المواضعِ أَجمع فكذا هنا، والأصلُ في وجوبِ الْعُشْرِ أيضًا قوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} (٥)، وقال -عليه الصلاة والسلام- «ما أخرجته الأرضُ ففيهُ الْعُشْرِ» (٦) (٧).

الكلامُ في هذا الباب في خمسةِ مواضع:

أحدها: … أن الْعُشْرِ واجبٌ، وقال بعض الناس: منسوخٌ؛ لقولِ عليِّ -رضي الله عنه-: «نَسختْ الزَّكَاةُ كُلَّ صدقةٍ قبلَها» (٨)، ولنا الأحاديث المشهورةُ مِن قوله: «ما سَقَتْ السماءُ ففيهِ الْعُشْرِ» (٩)، وغيره.


(١) في (ب): (الكردي) ولعل ماأثبته هو الصواب لموافقته للقب.
(٢) هو: مُحَمَّد بن محمود بن عبدالكريم الكردري العلامة بدر الدين ابن أخت الشيخ شمس الدين مُحَمَّد بن عبدالستار الكردري، شمس الأئمة، تفقه على خاله شمس الدين الكردري، توفي سلخ ذي القعدة سنة إحدى وخمسين وست مائة ودفن عند خاله.
يُنْظَر: الجواهر المضية (٢/ ١٣١).
(٣) سورة البقرة الآية (٢٧٦).
(٤) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (٣/ ٢).
(٥) سورة الأنعام الآية (١٤١).
(٦) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (١٠١٢٤ - ٣/ ١٣٩)، وقال الزيلعي في نصب الراية (٢/ ٣٨٤): حديث غريب بهذا اللفظ.
(٧) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (٣/ ٢).
(٨) رَوَاهُ الْبَيْهَقِي في سننه الكبرى (١٨٧٩٩ - ٩/ ٢٦٢)، والدراقطني في سننه (٣٩ - ٤/ ٢٨١) وقال: رَوَاهُ المسيب بن شريك، وعتبة بن اليقضان وهما متروكان.
(٩) رَوَاهُ الْبُخَارِيُ في صحيحه، كتاب الزكاة، باب العُشّر فيما يسقى من ماء السماء وبالماء الجاري (١٤٨٣)، من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-.