للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[[أجرة النقل]]

(وكُلُّ شيءٍ أخرجتُه الأرضَ مما فيهِ الْعُشْرِ لا يُحتسبُ أجرُ الحمال ونفقةُ البقر) (١) فكان منِ حِّقهِ أنْ يقولَ: الْعُشْرِ أو نِصف الْعُشْرِ؛ إذ الواجبُ أحدُ هذين في أحد هذين على ما جاءَ في الحديث: ما سقتهُ السماءُ ففيهِ الْعُشْرِ، وما سُقِي بغرب، أو دالية ففيه نِصْفُ الْعُشْرِ (٢) [وفي رواية لأنس عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: «في كُلِّ ما أخرجته الأرضُ ففيه الْعُشْرِ، أو نِصْفُ الْعُشْرِ» (٣) (٤) [.

قال الفقيه أبو جعفر -رحمه الله- (٥) في "كشفِ الغوامضِ" (٦):/ إنما ذَكَرَ أبوُ حنيفةَ -رحمه الله- ذلك تسميةً للشيءِ بأغلبِ الاسمين؛ لِأنّ وجَوبَ الْعُشْرِ في بلادِ المسلمين أكثر؛ إذ الأراضي التي تسقيها السماءُ، أو تُسَقَى سَيّحًا أكثر، وما سُقِي بالدّوالي، والسّواقِي أقل، ونظيرُه العمرانُ؛ لأنّ وِلاية عَمر كانتْ أحدُ (٧) مِن وِلاية الصديقِ -رضي الله عنه-، كذا في "الفَوَائِد الظَّهِيرِيَّة (٨) " (٩).

لا يحَتسبُ فيه أجُر العمّالِ، ونفقهُ البقر، أي: لا يرفعَ المؤنة مِن الْعُشْرِ مِثَل أجرِ العُمّالِ، وكَرَىَ الأنهار وغير ذلك أي: لا يُقال بعدم وجوبِ الْعُشْرِ في قدرِ الخارج الذي بمُقابلةِ المؤنةِ مِنُ حيثُ القِيمةِ، بل يجبُ الْعُشْرِ في كُلِّ الخارج، ومِنِ الناسِ مِنْ قال: يجبُ النظرُ إلى قدرِ قِيم المؤنِ منِ الخارج، فيسلم ذلك القدْرِ بلا عشر، ثُمَّ يَعْشُر الباقي؛ لِأنَّ قدرَ المؤن بمنزلة السَّالمِ لهُ بعوضٍ كأنهُ اشتراه ألا ترى أنَّ مَنْ زرعَ في أرضٍ مغصوبةٍ سَلِمَ لهُ مِن الخارج بِقَدرِ ما غَرِمَ مِن نُقصانِ الأرض، فطاب له كأنه اشتراه ووجهُ قولنا ما روينا أنّ النبيَ -عليه الصلاة والسلام- قال: «ما سقته السماءُ ففيه الْعُشْرِ، وما سُقَى بغرب] أو دالية (١٠) ففيهِ نصفُ الْعُشْرِ» (١١). حُكْمٌ بالتفاوتِ، بتفَاوُت المؤنِ، فلو رُفعِتْ المؤنُ لصار الواجبُ متفقًا، فهذا نصٌّ في البابِ، ولا قِياسَ مع النصِّ فلأن هذا حقٌ لم يُشرعْ متكررًا باعتبار خارج واحد، فلمْ يعتبر سِرٌّ زائدٌ يرفعُ المؤنَ، ألا ترى أنّ المؤنَ لا تُرفَعُ في نِصابِ الزَّكَاةِ مثلَ أُجرةِ حفِظِ السائمة وغيرها، ففي هذا أولى، وهذا مِن الخواص، كذا في "الجامع] الصغير (١٢) " لفَخْرِ الْإِسْلَام فلا معنى لرفعهِا؛ لِأنّهُ لو جاز رَفَّعُ المؤنةِ لما حَكَمَ الشارِعُ بتِفاوُتِ الواجب عنَد تفاوُت المؤنةِ؛ لِأنَّه عنُد الدَّفْعِ يصيرُ الواجبُ مُتفِقًا مع اختلاف المؤنة، بيان هذا ما إذا كانَ الخارجُ - مثلًا- فيما تسقيهِ السماءُ أربعين قَفِيزًا (١٣)، واستحقتْ قِيمةُ القفزين لحفظِ الزرعِ، واستئجارِ العُمالِ، والثيرانِ فإن الواجب فيه على قولِ العامةِ، وهو ظاهرُ الروايةِ أربعة أَقْفِزَةٍ، واعتبارُ المجموعِ الخارجِ وعلى قولِ ذلك البعضِ الذي ذكرنا كانَ الواجبُ عليه قَفِيَزيْنِ ولا غيَر؛ لِأن ما يُقابل المؤنة مِن الخارج بمنزلة السَالم له بالِعوَضِ كما في الغصبِ على ما ذكرنا، فلا يجبُ في قدر ما يقابله شيءٌ مِن الْعُشْرِ وأنّا نقول: لو قلنا هكذا كان الواجبُ مُتحِدًا مع اختلاف المؤنة، فإنهُ إذا كان الخارجُ أربعين قفيزًا فيما سُقِيَ بغرب أو دالية، فإنّ الواجبُ فيه قفيزان بحِكم الشرعِ ولو قلنا: بِرَفْعِ المؤنةِ فيما سقتُه السماء، أي: لو قلنا: بعدم وجُوبِ الْعُشْرِ فيما يقابلهُ مِن المؤنةِ، لكانَ الواجبُ عليه أيضًا قَفيِزينِ كما كان للواجبِ على الذي سقى بغربٍ أو داليةٍ قفيزين، هذا هو تفسيُر اتحادِ الواجبِ مع اختلافِ المؤنة، وهو خلافُ حُكْمِ الشرعِ فلا يجوز وذكر صدُر الإسلام أبو اليسر في "الجامع الصغير"، فإنه لا يحُتسبُ أجرُ العمال، ولا نفقةُ البقر؛ لأنه سَلّمَ لهُ تسعةُ الأعشارِ، أو تِسعةُ أعشارٍ، ونِصْفُ عشرٍ إذا كَثُرتْ النفقُة بسبب الغرب، والدالية (١٤) فقد نُظر له بهذا الطريق، فلا يجب له النظر بطريق آخر (١٥).


(١) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ٣٦).
(٢) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٢٥٠).
(٣) سبق تخريجه ص (١٦٤).
(٤) سقط في ب.
(٥) هو: أبو جعفر مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد، الفقيه البَلْخي الحنفي. الهِنْدُواني [المتوفى: ٣٦٢ هـ] كان يقال له من كماله في الفقه: " أبو حنيفة الصغير " تُوُفّي ببُخارى سنة (٣٦٢) يُنْظَر: تاريخ الاسلام (٨/ ٢٠٧).
(٦) كتاب كشف الغوامض لأبي جعفر الهنداوني الفقيه ذكر فيه: بعض ما أورده مُحَمَّد الشَّيْبَانِيّ في: (الجامع الصغير) توفي: سنة ٩٦٣ هـ، يُنْظَر: كشف الظنون (٢/ ١٤٩٣).
(٧) أحْدُّ من الحدّة وهي القوة ولذلك قال عمر -رضي الله عنه- (وكنتُ أدَارِى منه بعضَ الِحّدة فقال أبو بكر: على رِسْلِك يا عُمر … ) يُنْظَر: الفائق في غريب الحديث و الأثر (٢/ ١٣١).
(٨) سقط في ب.
(٩) يُنْظَر: البناية شرح الهِدَايَة (٣/ ٤١٨).
(١٠) سقط في ب.
(١١) سبق تخريجه، ص (١٦٥).
(١٢) سقط في ب.
(١٣) القَفِيزُ: مكيال وهو ثمانية مكاكيك، ويساوي اثنا عشر صاعاً، والجمع أقفزة وقفزان، يُنْظَر: المصباح المنير (٢/ ٥١١)، معجم الفقهاء (١/ ٤٤٣).
(١٤) الدَّالية دلو ونحوها وخشب يصنع كهيئة الصليب ويشدّ برأس الدلو، ثُمَّ يؤخذ حبل يربط طرفه بذلك وطرفه بجذع قائم برأس البئر ويسقى بها، المصباح المنير (١/ ١٩٩).
(١٥) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: ٢/ ٢٥٠.