للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قلت: ألا لا باركَ اللهُ، ولا متّعَ لمِنْ لم يغتنمْ ما أتعبتُ نفسي في تفتيحِ المضايقِ، وتبيين الطرائقِ، بل اعتنى بنشر مطاعن لم تكنْ هي فيه، وإنمّا تعاصِر دَرَكهُ لجهلهِ عمّا يستوفيه، أو خرجتْ مطاَعِنُ بحيثُ دخلته فيهِ، وزادَ اللهُ اطلاعًا وانشراحًا لصدورِ مِنْ أنصفَ، واغتنمِ، وافتتحَ أمَره بالسعادةِ واختتم، والتغلِبي (١) بكسر اللام منسوب إلى بني تغلب، والِنسبةُ إلى نمِرين قاسِطُ بمزي بالفتح، والكوفيون على العكس وقد ذَكَرّنَاهُ مستوفى فيما تقدّمَ في فصلِ الفصلان، والحمِلان.

(تغلبي له أرض عُشّر عليهِ الْعُشْرِ مضاعفًا) (٢)، والجملة فيه أنّ الواجبَ في الأرضِ ثلاثهُ الْعُشْرِ، والخراج، والتضعيف، والملاَّكَ ثلاثةٌ: مسلمٌ، وذميٌ، وتغلبي (٣).

أمّا الأرضُ الخراجيةُ إذا اشتراها مُسْلمٌ، فلمْ تنبتُ خراجيةً بالإجماعِ؛ لِأَنهُ يؤتهِ فيها شبهة العقوبةِ، فالإسلامُ لا ينُافي العقوبةُ، فوجب القولُ بالبقاءِ وإذا كانتْ الأرضُ عشريةً فاشتراها كافرٌ تغلبي ضُوعِفَ عليه بالإجماع (٤) أيضًا لما قلنا من قضية عمَر -رضي الله عنه-، كذا ذكره فَخْرُ الْإِسْلَام -رحمه الله-.

وذُكر في نوادر زكاة "المَبْسُوط" (٥): ولو أن تغلبيًا اشترى أرضًا من أرض الْعُشْرِ، فعليه الْعُشْرِ مضاعفًا، هذا قولُ أبي حَنِيفَةَ، وأبي يُوسُف أمّا عنَد أبي حَنِيفَةَ -رحمه الله- فلأن الصُلْحَ وقع بيننا،/ وبينهم على أنْ يضُيفَ عليهم ما يُؤخذُ مِن المُسلمِ، والْعُشْرِ يؤُخذ مِن المسلمِ، فيضّعفَ عليهم وأما (عنَد أبي يُوسُف) (٦): فلأنَّ كافرًا آخَر لو اشترى أرضًا عشريةٌ (كانَ عليهِ الْعُشْرِ مُضاعفًا) (٧) عنده فالتغلبي أولى، (وأما عند مُحَمَّد فعليه عشرٌ واحدُ) (٨)؛ لأنّ تضعيفَ الْعُشْرِ في الأراضي الأصلية لهِم، وهي التي وقعَ الصُّلحُ عليها، وأما فيما سِوى ذلك منِ الأراضي فالتغلبيُّ كغيرهِ منِ الكفارِ، وما صار وظيفةَ الأرضِ لا تتبدلُ بتبدلِ المالِ عند مُحَمَّد -رحمه الله- قال: ألا ترى أنه لو اشترى أرضًا خراجيةً كانَ عليه الخراجُ على حالةِ، ولو اشترى أرضًا من أرضِ نجرانَ (٩) كان عليه الحلل على حالهِ، ولكنا نقول: إنما وقع الصلح بيننا وبينهم على أنْ يضّعفَ عليهم ما يَبتدأ به المسلم والخراج، والحلل مما لا يبتدأُ به المسلمُ فلا يضعّف وأما الْعُشْرِ فمِما يَبتدأُ به المسلمُ فيضعّف عليهم باعتبار الصُّلحِ، كما لو اشترى سائمةً مِن مُسلم تجِبُ عليه الصدقة فيها مضّعفة وعن مُحَمَّد أنَّ فيما اشتراهُ التغلبي مِن المسلمِ عشرًا واحدًا وذكر هذه المسألة في زكاةِ "المَبْسُوط" (١٠)، وقال: وإنْ اشترى تغلبيٌّ أرضَ عشر من مُسلم ضُوعِفَ عليه للصلح الذي جرى بيننا وبينهم وذكر ابنُ سماعَة عن مُحَمَّد -رحمه الله- (١١) أنّ تضعيف الْعُشْرِ عليهم في الأراضي التي كانتْ لهم في الأصل فأما مَنْ اشترى منهم] أيضًا (١٢) عشرية مِن مسلم، فعليه عشرٌ واحدٌ بناءً على أصلهِ أنَّ ما صار وظيفةً للأرض تقررُ، (ولا تتغيرُ بتغيّرِ المالكِ) (١٣)، وإنْ اشتراها منه ذِميٌّ.


(١) سبق تعريفه.
(٢) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ٣٦).
(٣) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (٢/ ٢٥١).
(٤) الاختيار لتعليل المختار (١/ ١٢٢)، الهِدَايَة (١/ ١١١)، وحكاية الإجماع فيها نظر، فقد ذكر بعضهم رواية عن مُحَمَّد أن عليهم عشر واحد، حيث قال في المَبْسُوط (٣/ ١١): وذكر ابن سماعة عن مُحَمَّد رحمهما الله تعالى أن تضعيف العُشّر عليهم في الأراضي التي كانت لهم في الأصل، فأما من اشترى منهم أرضا عشرية من مسلم فعليه عشر واحد، بناء على أصله؛ أن ما صار وظيفة للأرض يقرر ولا يتغير بتغير المالك … والله أعلم.
(٥) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (٣/ ٨٦).
(٦) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١١٠).
(٧) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١١٠).
(٨) المصدر السابق.
(٩) نجران: بالفتح ثُمَّ السكون وآخره نون، ونجران في عدة مواضع منها نجران في مخاليف اليمن من ناحية مكة، قالوا سمي بنجران بن زيدان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، لأنه كان أول من عمرها ونزلها، وإنما صار إلى نجران لأنه رأى رؤيا فهالته فخترج رائدا حتى انتهى إلى واد فنزل به، فسمي نجران به، يُنْظَر: معجم البلدان (٥/ ٢٦٦).
(١٠) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (٣/ ١١).
(١١) يُنْظَر: المَبْسُوط للشيباني (٣/ ١١).
(١٢) في (ب): (أرضاً).
(١٣) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١١٠).