للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(ولأن فيه إظهار مخالفة المشركين).

روي أنه -صلى الله عليه وسلم- خطب عشية عرفة فقال: «أيها الناس إن أهل الجاهلية والأوثان، كانوا يدفعون من عرفة قبل غروب الشمس إذا تعممت بها رؤوس الجبال كعمائم الرجال في وجوههم، وإن هُدانا ليس كهُداهم» (١) فادفعوا بعد غروب الشمس فقد باشر ذلك، وأمر به إظهارًا لمخالفة المشركين، فليس لأحد أن يخالف ذلك.

(فإنْ خافَ الزحام فدفعِ قبلَ الإمامِ، ولم يجاوز حدودَ عرفة أجزأه).

وإنما قيد به؛ لأنه لو جاوز حدود عرفة قبل الإمام، وقبل غروب الشمس يجب عليه الدم.

[لا يجوز الخروج من حدود عرفه قبل غروب الشمس]

وحاصله: أنه إذا وقع قبل غروب الشمس ينظران فإن جاوز حد عرفة بعد غروب الشمس فلا شيء عليه، وإن جاوز قبل الغروب (٢) وجب عليه الدم، ولكن إن عاد إلى عرفة قبل الغروب، ثُمَّ دفع مع الإمام منها بعد الغروب سقط عنه الدم، وقال زفر (٣): لا يسقط كما قال في مجاوزة الميقات بغير إحرام: إنه يجب عليه الدم، ثُمَّ لا يسقط عنه الدم بالعود إلى الميقات، وتجديد التلبية به، فأما إذا عاد إلى عرفة بعد الغروب، فإنه لا يسقط عنه الدم (٤) بالإجماع (٥).

والجملة فيه: أنه إن أدرك عرفة بالنهار، فإنه يقف بها إلى غروب الشمس، وإن لم يقف، ولكنه مرّ بها مارًا بعد الزوال قبل الغروب فعليه الدم، وإن أدركها بعد غروب الشمس، ولم يقف، ومرّ بها فلا شيء عليه، ويكون مدركًا وتم حجه، كذا في «شرح الطحاوي» (٦)، و «التحفة» (٧)، وذكر الإمام المحبوبي: والسنة في المشي أن يتقدم الإمام على القافلة، وإن تقدم واحد على القوم والإمام، فعليه دم.


(١) أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (٤/ ٣٤٧) برقم: [٤٣٩٥]، وفي "المعجم الكبير" (١٣/ ٢٢٧) برقم: [١٣٩٥٦]، وقال الطبراني: " لَا يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، تَفَرَّدَ بِهِ: غَسَّانُ بْنُ الرَّبِيعِ".
(٢) في هامش (ج): غروب الشمس.
(٣) إن عاد قبل الغروب وقبل نفر الإمام سقط عندنا خلافًا لزفر، وإن عاد قبل الغروب بعدما خرج الإمام من عرفة؛ روى ابن شجاع عن الإمام: أنه يسقط، واعتمده القدوري، وذكر في الأصل عدمه، ولو عاد بعد الغروب لايسقط بلا خوف لتقررالواجب فلا يحتمل السقوط بالعود.
انظر: الجوهرة النيرة (١/ ٢٢٣)، العناية (٣/ ٦٠)، تبيين الحقائق (٢/ ٦١)، رد المحتار عن النهر (٢/ ٥٥٣)، وفي البدائع (٢/ ١٢٧).
(٤) قلت: الذي وقفت عليه في الأصل (٢/ ٤١٤) ما نصه: «فإن رجع ووقف بها بعدما غابت الشمس لم يسقط عنه الدم».
(٥) لأنه لما غربت الشمس عليه قبل العود فقد تقرر عليه الدم الواجب، فلا يحتمل السقوط بعد العود»، كذا علل في المصدر.
(٦) شرح الطحاوي (ل/ ١٢٩).
(٧) انظر: تحفة الفقهاء (١/ ٤٠٦).