للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[النَّجَاسَةُ إِذَا كَانَتْ قَدْرَ الدِّرْهَمِ أَوْ أَقَلِّ]

وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْحَاصِلِ، فَرْعٌ لِمَسْأَلَةٍ أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ النَّجَاسَةَ إِذَا كَانَتْ قَدْرَ الدِّرْهَمِ أَوْ أَقَلِّ، هَلْ يُفْتَرَضُ إِزَالَتُهَا لِجَوَازِ الصَّلَاةِ أَوْ لَا؟.

فَعِنْدَنَا (١) لَا يُفْتَرَضُ، وَعِنْدَهُ (٢) يُفْتَرَضُ، كَمَا لَوْ كَانَتْ هَذِهِ النَّجَاسَةُ، عَلَى مَوْضِعٍ آخَرَ، إِلَّا أَنَّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ يَطْهُرُ بِالْحَجَرِ، وَالْمَدَرِ، وَفِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ لَا يَطْهُرُ إِلَّا بِالْمَاءِ، فَقَدْ احْتَجَّ هُوَ فِي الْمَسْأَلَةِ، بِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} (٣) أَيِ النَّجَاسَةُ فَاهْجُرْ، وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ.

وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ (٤) -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «وَلِيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ» (٥) فَقَدْ أَمَرَ؛ وَالْأَمْرُ عَلَى الْوُجُوبِ؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ نَجَاسَةً تَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ، إِذَا كَانَتْ كَثِيرَةً؛ فَتَمْنَعُ إِذَاَ كَانَتْ قَلِيلَةً، لِأَنَّ مَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ؛ يَسْتَوِي فِيهِ قَلِيلُهُ، وَكَثِيرُهُ (٦)، كَمَا فِي الْحُكْمِيَّةِ؛ فَإِنَّهُ إِذَا غَسَلَ جَمِيعَ أَعْضَائِهِ، وَبَقِيَ مِنْ جَسَدِهِ لُمْعَةٌ، لَا تُجْزِيهِ (٧) صَلَاتُهُ، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ أَقَلَّ مِنَ الدِّرْهَمِ، بَلْ أَوْلَى (٨) لِأَنَّ الْحَقِيقِيَّ فَوْقَ الْحُكْمِيِّ أَلَا تَرَى (٩) أَنَّ الْحُكْمِيَّ يَزُولُ بِالتُّرَابِ (١٠) وَالْحَقِيقِيَّ لَا يَزُولُ، فَإِذَا كَانَ قَدْرَ الدِّرْهْمِ فِي الْحُكْمِيِّ، مَانِعًا جَوَازَ الصَّلَاةِ، فَفِي الْحَقِيقِيِّ أَوْلَى (١١).


(١) ينظر: "الجامع الصغير" لمحمد بن الحسن (١/ ٧٩ - ٨١)، و"المبسوط" للسرخسي (١/ ٤٦)، و"تحفة الفقهاء" للسمرقندي (١/ ٦٤)، و"بدائع الصنائع للكاساني" (١/ ٨٠)، "المحيط البرهاني لإبن مازة " (١/ ١٨٨).
(٢) ينظر: "الحاوي الكبير، للماوردي" (١/ ١٥٩ - ١٦٠)، و"البيان في مذهب الإمام الشافعي"للعمراني (١/ ٢١٣).
(٣) سورة المدثر: آية: (٥).
(٤) أبو أيوب الأنصاري: هو صحابي جليل واسمه خالد بن زيد بن كليب من بنى الحارث بن الخزرج كان ممن نزل عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- عند قدومه المدينة شهد بدرًا واحدًا والعقبة، مات بالقسطنطينية سنة (٥٢ هـ) زمن يزيد بن معاوية. انظر " مشاهير علماء الأمصار لابن حبان" (ص: ٤٩)، "معرفة الصحابة" لابن منده (ص: ٤٥٣)، "أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير " (٥/ ٢٥).
(٥) يشير إلي حديث أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله e : «إذا تغوط أحدكم فليتمسح بثلاثة أحجار، فإن ذلك كافيه» وفي رواية «فإن ذلك طهوره».
أخرجه الطبراني في "الكبير" (٤/ ١٧٤) حديث رقم (٤٠٥٥)، وفي الأوسط له (٣/ ٢٨٠) حديث رقم (٣١٤٦)، والشاشي في مسنده (٣/ ٩٦) حديث رقم (١١٥٣)؛ قال الطبراني (٣/ ٢٨٠): لم يروه عن الأوزاعي مرفوعًا إلا الهقل تفرد به عمرو، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (١/ ٤٩٦): (رجاله موثقون إلا أن أبا شعيب صاحب أبي أيوب لم أر فيه تعديلا ولا جرحا)، وللحديث شاهد صحيح أخرجه البخاري في "صحيحه" (ص ٩٤)، كتاب الوضوء، باب لا يستنجى بروث، حديث رقم (١٥٥)، من حديث عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: «أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- الغائط فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار، فوجدت حجرين، والتمست الثالث فلم أجده، فأخذت روثة فأتيته بها، فأخذ الحجرين وألقى الروثة» وقال: «هذا ركس».
وقال الألباني في الصحيحة: تفرد به عمرو بن هاشم وهو صدوق يخطئ كما قال الحافظ فإن لم يحسن حديثه فلا أقل من أن يستشهد به على أنه قد توبع. السلسلة الصحيحة (٧/ ٩٣٤).
(٦) ينظر: "الحاوي الكبير، للماوردي" (١/ ١٥٩ - ١٦٠).
(٧) في (ب): (يجزيه).
(٨) في (ب): (أدنى).
(٩) في (ب): (يرى).
(١٠) ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة " (١/ ١٩٧)
(١١) ينظر: "المبسوط" للسرخسي (١/ ٧٢)، و"بدائع الصنائع للكاساني" (١/ ١١٤)، " الإختيار لتعليل المختار للموصلي" (١/ ١٦)