للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ مَشَايِخُنَا: وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ أَدَبًا فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ، فَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَسُنَّةٌ، هَكَذَا رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ (١): أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ، فَقَالَ: إِنَّهُ سُنَّةٌ، فَقِيلَ لَهُ: كَيْفَ يَكُونُ سُنَّةً وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَالْخُيَّارُ مِنَ (٢) الصَّحَابَةِ -رضي الله عنهم- تَرَكُوهُ كَعُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ؟

فَقَالَ: هُمْ كَانُوا يَبْعَرُونَ بَعْرًا، وانْتُمْ تَثْلِطُونَ (٣) ثَلْطًا) (٤)، فَصَارَ فِي زَمَانِنَا سُنَّةً كَالاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ وَالْمَدَرِ، ثُمَّ الاسْتِنْجَاءُ بِالْأَحْجَارِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عِنْدَنَا (٥)، لَوْ تَرَكَهَا، وَصَلَّى بِغَيْرِ اسْتِنْجَاءٍ، أَجْزَتْهُ صَلَاتُهُ (٦)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ -رحمه الله- بِأَنَّهُ فَرِيضَةٌ لَوْ تَرَكَهُ بِالْأَحْجَارِ، أَوْ بِمَا يَقُومُ مَقَامَهُ، لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ (٧).


(١) ينظر: "بدائع الصنائع للكاساني" (١/ ٢١)، و"المحيط البرهاني لإبن مازة " (١/ ٤٣)، و"فتح القدير، لإبن الهمام الحنفي" (١/ ٢١٦).
(٢) (الخيار من)، ساقطة من (ب).
(٣) تثلِطون: بكسر اللام ثلطا بسكون اللام، وهو إخراج الغائط رقيقا. ينظر: " الجوهرة النَّيرة شرح مختصر القدوري للزبيدي " (١/ ٤٠).
(٤) ما بين القوسين لشيخ الإسلام. ينظر: " الجوهرة النَّيرة شرح مختصر القدوري للزبيدي " (١/ ٤٠)، و"البناية شرح الهداية للعيني " (١/ ٧٤٨).
(٥) أكثر الحنفية على أن الاستنجاء بالأحجار (سنة)، ولم يقولوا بأنه (سنة مؤكدة)، ولذا فإن القول بأن الاستنجاء بالأحجار سنة مؤكدة هو من اختيارات السغناقي الموافقة لابن الهمام، ومحمد ابن الحسن في الأصل، ويؤكد هذا أن بعض الفقهاء ممن جاء بعد السغناقي نسبوا هذا القول له، كقول ابن نجيم: (وصرح في النهاية بأنه سنة مؤكدة)، وقد ذكر ابن الهمام دليل هذا المذهب بأن الاستنجاء من الأفعال التي واظب النبي -صلى الله عليه وسلم- عليها. ينظر: "مختصر القُدُوري" (ص ٢١)، و"تحفة الفقهاء" للسمرقندي " (١/ ١١)، و"بدائع الصنائع للكاساني" (١/ ١٨)، و"الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني" (١/ ٣٨)، و"المحيط البرهاني لإبن مازة " (١/ ٤٣)، و"فتح القدير، لإبن الهمام الحنفي" (١/ ٢١٣)، "البحر الرائق؛ لإبن نجيم المصري، ومعه تكملته للقادري" (١/ ٢٥٢).
(٦) ينظر: "فتح القدير، لإبن الهمام الحنفي" (١/ ٢١٣)
(٧) ينظر: "الأم للشافعي" (١/ ٢٢)، "مختصر البويطي" (٨٥).