للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من لم يجد ثوباً كيف يصلي]

قَوْلُهُ -رحمه الله-: (وَلَمْ يَجِدْ ثَوْبًا صَلَّى عُرْيَانًا قَاعِدًا يُؤمِئُ إِيمَاءً) (١)

فَإِنْ قُلْتَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ (٢) -رضي الله عنه-: «صَلِّ قَائِماً فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِداً» (٣) وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَقْتَضِي التَّرْتِيبَ، حَيْثُ لَا يَجُوزُ صَلَاةُ الْفَرْضِ قَاعِداً، لِمَنْ يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ، ثُمَّ هَذَا الرَّجُلُ؛ مُسْتَطِيعٌ عَلَى الْقِيَامِ، حِسّاً، وَشَرْعاً، أَمَّا حِسّاً، فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي صَحِيحِ الْبَدَنِ، وامَّا شَرْعاً؛ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الصَّلَاةُ، قَائِماً، عَارِياً بِالاتِّفَاقِ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَجُوزَ لَهُ الصَّلَاةُ قَاعِداً، بِحُكْمِ هَذَا الْحَدِيثِ؛ وَهُوَ مَذْهَبُ زُفَرٍ وَالشَّافِعِيِّ -رحمهما الله- (٤).

قُلْتُ: الْقِيَاسُ مَا قُلْتُهُ إِلَّا أَنَّا عَرفْنَا جَوَازَ صَلَاتِهِ قَاعِداً بِالْأَثَرِ؛ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- فِإِنَّهُمَا قَالَا: الْعَارِي يُصَلِّي قَاعِداً بِالْإِيمَاءِ (٥)، وَرُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- رَكَبُوا فِي السَّفِينَةِ فَانْكَسَرَتْ بِهِمُ السَّفِينَةُ، فَخَرَجُوا مِنَ البَّحْرِ عُرَاةً فَصَلُّوا قُعُودًا بِإِيمَاءٍ» (٦) وَهَذَا قَوْلٌ رُوِيَ عَنْهُمْ، وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَقْرَانِهِمْ خِلَافَ ذَلِكَ، فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ.


(١) وفي المطبوع: (وَمَنْ لَمْ يَجِدْ ثَوْبًا صَلَّى عُرْيَانًا قَاعِدًا يُومِئُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) انظر: " الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي" (١/ ٢٦٤)
(٢) هو عمران بن حصين الخزاعي الأزدي، كنيته أبو نجيد من عباد الصحابة، أسلم عام خيبر، وغزا مع … رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- غزوات، بعثه عُمَر بْن الخطاب إِلَى البصرة، ليفقه أهلها وكان من فضلاء الصحابة، وكان مجاب الدعوة، ولم يشهد الفتنة، مات سنة ٥٢ هـ. انظر: "مشاهير علماء الأمصار لابن حبان (ص: ٦٦)، "أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير " (٣/ ٧٧٨) "تاريخ الإسلام للذهبي" (٢/ ٥٢٤) "سير أعلام النبلاء للذهبي " (٢/ ٥٠٨).
(٣) أخرجه البخاري في"صحيحه" (١/ ٣١٤)، أبواب تقصير الصلاة، باب إذا لم يطق قاعدا صلى على جنب، حديث (١٠٩٠).
(٤) ينظر: "بدائع الصنائع للكاساني" (١/ ١٠٧)، و"مختصر المزني" (ص ٢٧).
(٥) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (٢/ ٥٨٣)، كتاب الصلاة، باب صلاة العريان، حديث (٤٥٦٥)، عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: «الذي يصلي في السفينة، والذي يصلي عرياناً، يصلي جالساً»، وأخرجه في (٢/ ٥٨٤)، حديث (٤٥٦٦)، عن ميمون بن مهران قال: سئل علي -رضي الله عنه- عن صلاة العريان، فقال: «إن كان حيث يراه الناس صلى جالساً، وإن كان حيث لا يراه الناس صلى قائماً».
(٦) لم أجده. لكن نسبه صاحب " البناية شرح الهداية للعيني " (٢/ ١٣٧) إلى جامع الخلال بأن الخلال رواه بإسناده عن ابن عمر -رضي الله عنه- مثله.