للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالثَّانِيَةُ، هِيَ مَا ذُكِرَ فِي "شَرْحِ الْأَقْطَع" أَنَّ التَّسَتُّرَ آكد؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ لِلصَّلَاةِ، وَلِغَيْرِهَا، وَيُلْزِمُهُ بِتَرْكِهِ فِي الطَّوَافِ دَمٌ، وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي النَّجَاسَةِ.

قُلْتُ: إِنَّهُ إِذَا صَلَّى قَاعِداً، فَقَدْ أَتَى بِبَعْضِ السَّتْرِ، وَمَا قَامَ مَقَامَ الْأَرْكَانِ، وَتَرَكَ اسْتِعْمَالَ النَّجَاسَةِ، وَإِذَا صَلَّى قَائِماً فَقَدِ اسْتَعْمَلَ النَّجَاسَةَ، واتَى بِالْأَرْكَانِ، فَيَسْتَوِيَانِ فَيَتَخَيَّرُ، وَمَا ذَكَرْتُهُ، مِنْ وكَادَةِ (١) فَرْضِيَّةِ السَّتْرِ؛ سَاقِطٌ بِسَبَبِ أَنَّ خِطَابَ السَّتْرِ، فِي حَقِّ الصَّلَاةِ، إِنَّمَا هُوَ فِي السَّتْرِ بِالطَّاهِرِ، لَا بِالنَّجِسِ، فَصَارَتْ نَفْسُ خِطَابِ السَّتْرِ بِالنَّجِسِ، سَاقِطَةً عَلَى مَا ذَكَرْنَا، مِنْ إِشَارَةِ "الأسرار" إِلَى هَذَا، فَكَيْفَ تَثْبُتُ (٢) الْوكَادَةُ، بَعْدَ سُقُوطِ نَفْسِ الْخِطَابِ؟

لِمَّا أَنَّ الْمُؤَكَّدَ تَبَعٌ لِلْمُؤَكِّدِ (٣) فَلَمَّا لَمْ يَثْبُتْ نَفْسُ الْخِطَابِ، وَهِيَ الأصل لَا تَثْبُتُ الْوكَادَةُ، وَهِيَ التَّبَعُ وَلَكِنْ مَعَ ذَلِكَ أَظْهَرْنَا أَثَرَ صُورَةِ الْوكَادَةِ، فِي حَقِّ الْأَفْضَلِيَّةِ، لَا فِي حَقِّ الْجَوَازِ.

قَوْلُهُ -رحمه الله-: (وَالْأَفْضَلِيَّةُ لِعَدَمِ اخْتِصَاصِ السَّتْرِ بِالصَّلَاةِ وَاخْتِصَاصُ الطَّهَارَةِ بِهَا).

يَعْنِي لَمَّا لَمْ يُخْتَصُّ السَّتْرُ بِالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ السَّتْرُ (٤) لِلصَّلَاةِ، وَلِلنَّاسِ كَانَ نَفْعُهُ أَعَمَّ، فَكَانَ السَّتْرُ أَوْلَى، بِخِلَافِ الطَّهَارَةِ، فَإِنَّهَا لِلصَّلَاةِ لَا غَيْرَ.

فَإِنْ قُلْتَ: جَعَلَ فِي مِثْلِ هَذِهِ النُّكْتَةِ، فِي غُسْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، جَانَبَ الاخْتِصَاصِ أَوْلَى، وَها هُنَا جَعَلَ جَانِبَ عَدَمِ الاخْتِصَاصِ أَوْلَى، فَمَا وَجْهُهُ؟

قُلْتُ: جَانِبُ عَدَمِ الاخْتِصَاصِ، (هُنَاكَ لَمْ يَتَضَمَّنِ النَّفْعَ الْعَامَّ؛ وَهُوَ الْمُوجِبُ لِلتَّرْجِيحِ، هُنَا وَلَا شَكَّ أَنَّ الاخْتِصَاصَ) (٥) يُوجِبُ التَّرْجِيحَ إِذَا لْمَ يَتَضَمَّنْ مَا يُعَارِضُهُ، مِمَّا يُوجِبُ التَّرْجِيحَ، وَها هُنَا جَانَبُ عَدَمِ الاخْتِصَاصِ؛ وَهُوَ السَّتْرُ، أَفْضَلُ (٦) عَارَضَ الاخْتِصَاصِ؛ وَهُوَ الطَّهَارَةُ فِي شَيْءٍ يَقْتَضِي اسْتِوَاءَهُمَا؛ وَهُوَ اقْتِضَاءُ الصَّلَاةِ السَّتْرُ (٧) وَالطَّهَارَةُ ثُمَّ تَرَجَّحَ (٨) جَانِبُ السَّتْرِ، بِمَا هُوَ سَالِمٌ لَهُ؛ وَهُوَ حُصُولُ السَّتْرِ لِلنَّاسِ لِأَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ؛ فِي حَقِّهِمْ أَيْضًا، كَوُجُوبِهِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ.


(١) (الْوَكَادَةُ) بِمَعْنَى التَّوْكِيدِ غَيْرُ ثَبَتٍ. انظر: " المغرب في ترتيب المعرب" للمطرزي (ص: ٤٩٣).
(٢) في (ب): (ثبتت).
(٣) في (ب): (المولَّد تبع للمولِّد).
(٤) (الستر): ساقط من (ب).
(٥) ما بين القوسين ساقط من (ب).
(٦) (أفضل): زيادة من (ب).
(٧) في (ب): (والستر).
(٨) في (ب): (لم يرجح).