للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلنا: وردت الآيات في هذا في كثير من المواضع، منها ما ذكر ها هنا، ومنها: قوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢)} (١)، ومنها قوله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (١١٧)} (٢)، فقلنا بموجبها، ولا نشتغل بطلب الفائدة كما قلنا في الآيات المتشابهة، ولا نشتغل بسوى ذلك على ما هو المختار عند كثير من السلف، مع اعتقاد أن ما يوجب نقيضه غير مراد بالآيات المتشابهات، وكذلك ها هنا نقول بوجود خطاب {كُنْ} عند الإيجاد من غير تشبيه ولا تعطيل؛ ولأن فيه بيان إظهار عظمته وكمال قدرته، كما أن الله تعالى يبعث من في القبور، يبعثه ولكن بواسطة نفخ الصور، وكذلك ها هنا خلق الأشياء بواسطة الأمر).

فقوله رحمه الله: هو عين عقيدة الماتريدية؛ لأن التكوين عند الماتريدية صفة أزلية (٣).

والحق ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن أفعاله تعالى صفات قائمة به تعالى تتعلق بها مشيئته تعالى وقدرته وتتجدد آحادها، غير أن نوعها قديم (٤).

وهذا يظهر منه أنه على معتقد الماتريدية، هذا ما وصلت إليه بعد البحث، وأستغفر الله عن الخطأ، فهذا العالم بذل الكثير من جهده ووقته لنشر العلم، أسأل المولى له الرحمة والمغفرة وأن يجزيه بالحسنات إحساناً وبالسيئات عفواً وغفرانا.

المطلب الخامس

مصنفاته

لقد ترك الإمام السِّغْنَاقِي رحمه الله كتباً قيمةً تشهد له بالفضل، ومصنفات جليلة تعتبر في الواقع ثروةً جيدةً في خدمة الإسلام عامة، والفقه الحنفي وأصوله خاصة، فقد كان رحمه الله على قدم راسخة في التأليف، وبراعة فائقة في التصنيف، والمتتبع لآثاره، والمتطلع على مصنفاته يجد أنه صنف في فنون شتى منها:

١ - الوافي: حققه الباحث في كلية الشريعة بجامعة أم القرى، أحمد بن محمد بن حمود اليماني، لنيل درجة الدكتوراه عام ١٤١٧ هـ، وهو شرح لكتاب معتمد في أصول الفقه الحنفي، وهو المنتخب أو المختصر الحسامي، لحسام الدين محمد بن محمد بن عمر الاخسيكتي (٦٤٤ هـ)، انتخبه من كتاب "كنز الوصول إلى معرفة الأصول" أو ما يعرف بأصول فخر الإسلام البزدوي (٤٨٢ هـ)، وذلك عندما رأى الناس منكبين على تداول هذا الكتاب، فأراد أن يكون له شرف تهذيبه، فحذف منه الاستدلالات المطولة، والمسائل المبسوطة، والفروع الفقهية المتكررة، واقتصره على خلاصة الأقوال في المسائل المعروضة، وذكر المذهب الحنفي، فكان عمدة فيه، وأصبح تداول الناس له لا يقل عن تداولهم لكتاب البزدوي، قال الإمام السِّغْنَاقِي -رحمه الله- واصفا نسخة هذا الكتاب: "محذوفة الفضول، مبنية الفصول، متداخلة النقوض والنظائر، منسردة اللآلئ والجواهر، فلذلك آض الناس متهالكين في تعلمها وتعليمها، ومكبين في تحديثها وتنقيرها".


(١) سورة يس الآية (٨٢).
(٢) سورة البقرة الآية (١١٧).
(٣) انظر: شرح العقائد النسفية للتفتازاني (ص ١٣٥)، شرح الفقه الأكبر للقاري (ص ١٨).
(٤) انظر: لوامع الأنوار البهية (١/ ٢٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>