للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وذكر في فصول (١) الاستروشني (٢) إذا جعل الرجل أمر امرأته بيدها ثم طلّقها طلاقاً باينًا خرج الأمر من يدها وذكر في موضع آخر فيها لا يخرج الأمر من يدها، وإن كان الطّلاق باينًا فلابدّ من دفع هذه المناقضات فيه تظهر فقهالمرأ وكثرة مطالعاته وامتداد مراجعاته في تفتيش المعاني بإحياء الليالي ومحى الدعة والتواني.

[فصل]

قلت: وبالله التوفيق. اعلم أنّ الأمر باليد فيه مَعْنَى التَّمْلِيكِ ومعنى التّعليق، أمّا التمليك فلما ذكر في الكتاب (٣)؛ لأنّ المالك هو الذي يتصرف لنفسه وهذا كذلك، وأن المرأة عاملة لنفسها ولا يكون نايبة عن الغير.

وأمّا التّعليق فإنّ الإيقاع وإن صدر من غير الزّوج؛ إلا أن الوقوع مضاف إلى معنى من قبل الزّوج على وجه يوجد الإيقاع من المرأة أم لا، فصار كأنّه قال لها: إن طلقت نفسك، فأنت طالق، وبناء هذه الأحكام لوجود هذين المعنيين والتّمليك والتّعليق يتنافيان معنى وحكمًا، لما أنّ التّمليك يقتضي التعدد قطعًا، والتّعليق يقتضي التردد، فلذلك يبرأ؛ أي: الأحكام المبنية عليهما متناقضة.

لكن الشّأن في التّخريج ثم التّمليك فيه معتبر بتمليك المنافع كالإجارة (٤) والعارية (٥)، لا بتمليك الأعيان كالبيع والهبة، وبهذا خرج الجواب عن المسألة الأولى، فإن الإجارة والعواري قابلة للتّوقيت وإن كانت للتّمليك فكذا هنا.

وذكر في «الذّخيرة» (٦): ولا يسقط بالقيام عن المجلس في الأمر الموقت بوقت ولا بشيء آخر؛ لأن في هذا التّفويض معنى التّعليق والتّوقيت يلائم التّعليق فصح التّوقيت من حيث أنه يتضمّن التّعليق، وإذا صحّ التّوقيت في الأمر باليد صار الطّلاق بيدها في هذه المدة التي وقتها، فلو بطل الأمر بعد ذلك بقيامها عن المجلس أو بشيء آخر لم يكن للتأقيت حينئذ فائدة، ولما لم يكن في الأمر المطلق توقيت يراعي وجوده واعتبرنا جانب التمليك، فقلنا بالاقتصار على مجلس العلم، واعتبرنا معنى التعليق، فقلنا ببقاء للإيجاب إلى ما وراء المجلس إذا كانت غائبة عملاً بالدّليلين بقدر الإمكان.


(١) البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (٣/ ٣٤٦).
(٢) محمد بن محمود الأستروشني، له كتاب "الفصول" في الفتاوى، وقال عبد القادر: الشروشني. والله أعلم. انظر: تاج التراجم لابن قطلوبغا (ص: ٢٧٩).
(٣) ينظر: النهر الفائق شرح كنز الدقائق (٢/ ٣٨٢).
(٤) الإِجارة: عبارة عن العقد على المنافع بعوض هو مال، فتمليكُ المنافع بعوضٍ إجارةٌ وبغير عوضٍ إعارةٌ. ينظر: التعريفات الفقهية (ص: ١٦).
(٥) الْعَارِيَّةُ: مَا يُسْتَعَارُ فَيُعَارُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ التَّعَاوُرِ وَهُوَ التَّدَاوُلُ. ينظر: طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية (ص: ٩٨).
العرية: إعارة الأعيان التي يمكن الانتفاع بها مع بقاء عينها، كالثوب والدواء والعبد والدابة. ينظر: انيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء (ص: ٩٤).
(٦) يُنْظَر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٣/ ٢٤١)