للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أي: لأن جماعتهن لاتجوز عنه لما أن إمامهن إما (١) تقدمت عليهن أو توسطت، ففي زيادة (٢) التقدم زيادة الكشف، وفي التوسط ترك مقام الإمام الذي هو التقدم، وكل واحد منهما حرام، أما حرمة زيادة كشف العورة (٣) فظاهر لقوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (٤)، وأما ترك مقام الإمام للإمام فحرام أيضًا؛ لأنه ترك السنة من كل وجه (٥). قال شيخ الإسلام -رحمه الله- في آخر باب الافتتاح من «المبسوط» (٦): لأن ذلك ترك السنة من كل وجه، فإنه لم يعمل به رسول الله عليه السلام ولا واحد من أصحابه.

[[كيفية صلاة العراة]]

قوله: فيكره كالعراة (٧)، وفي العراة الأفضل عندنا أن يصلوا وحدانا قعوداً بإيماء، وإنما أمرناهم بترك الجماعة ليتباعد بعضهم من بعض فلا يقع بصر بعضهم على عورة البعض؛ لأن الستر يحصل به، ولكن الأولى لإمامهم أن يصلوا بجماعة أن يقوم (٨) وسطهم لكيلا يقع بصرهم على عورته، وإن تقدمهم جاز أيضًا، وحالهم في هذا الموضع كحال النساء في الصلاة، فالأولى أن يصلين وحدهن، وإن صلين بالجماعة قامت إمامهن وسطهن، وإن تقدمتهنّ جاز، فكذلك حال العراة، كذا في «المبسوط (٩)» (١٠)، وذكر شيخ الإسلام: العراة (١١) إذا كانوا جماعة يصلون وحدانًا قعودًا (١٢) يؤمون إيماءً (١٣) فلا يصلون بجماعة؛ لأنهم لا يتوصلون إلى إقامة الجماعة إلا بعد ارتكاب أمر مكروه؛ لأن الإمام منهم يحتاج إلى أن يقوم وسطهم متى صلوا بجماعة؛ كيلا يقع بصرهم على عورته، وهذا أمر مكروه، والجماعة سنة، وترك ما هو سنة أولى من ارتكاب ما هو مكروه، وهذا عندنا (١٤)، وقال الحسن البصري -رحمه الله- (١٥): بأنهم يصلون جماعة؛ لأنهم يتوصلون إلى إقامة الجماعة من غير ارتكاب مكروه بأن يقدموا إمامهم ويغضوا أبصارهم عن عورة الإمام إلا أنا نقول: إنهم محتاجون في ذلك إلى أن يغضوا أبصارهم (١٦) حتى يقدمون إمامهم، وأنه مكروه حالة الاختيار كقيام (١٧) الإمام وسط الصف، فصح أنهم لا يتوصلون إلى إقامة الجماعة إلا بعد ارتكاب أمر مكروه، وإقامة الجماعة سنة، فترك السنة أولى من ارتكاب المكروه (١٨).


(١) ساقط من (أ).
(٢) ساقط من (أ).
(٣) العورة: كل ما يستحى من كشف من أعضاء الإنسان. يُنْظَر: الكليات ص ٥٩٧، معجم لغة الفقهاء ص ٣٢٤.
(٤) سورة النور الآية (٣١).
(٥) يُنْظَر: العناية شرح الهداية: ١/ ٣٥٢.
(٦) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي: ١/ ٧٧.
(٧) مسألة صلاة العراة: سُئِلَ عَلِيٌّ رضي اللَّهُ عنه عن صَلَاةِ الْعُرْيَانِ قال إنْ كان حَيْثُ يَرَاهُ الناس صلى جَالِسًا وَإِنْ كان حَيْثُ لَا يَرَاهُ الناس صلى قَائِمًا، قال الشافعي: صَلَّوْا فُرَادَى وَجَمَاعَةً رِجَالًا وَحْدَهُمْ قِيَامًا يَرْكَعُونَ وَيَسْجُدُونَ وَيَقُومُ إمَامُهُمْ وَسَطُهُمْ وَيَغُضُّ بَعْضُهُمْ عن بَعْضٍ وَتَنَحَّى النِّسَاءُ فَاسْتَتَرْنَ إنْ وَجَدْنَ سِتْرًا عَنْهُمْ فَصَلَّيْنَ جَمَاعَةً أَمَّتْهُنَّ إحْدَاهُنَّ وَتَقُومُ وَسَطَهُنَّ وَيَغُضُّ بعضهن عن بَعْضٍ وَيَرْكَعْنَ وَيَسْجُدْنَ وَيُصَلِّينَ قِيَامًا، وقال مالك: في العراة لا يقدرون على الثياب، قال: يصلون أفذاذا يتباعد بعضهم عن بعض ويصلون قياما، قال: وإن كانوا في ليل مظلم لا يتبين بعضهم بعضا صلوا جماعة وتقدمهم إمامهم، وعند الحنابلة: فإن صلى جماعة عراة كان الإمام معهم في الصف وسطا يومئون إيماء ويكون سجودهم أخفض من ركوعهم.
ينظر: المبسوط للشيباني/ ١/ ١٩٣)، البحر الرائق (١/ ٢٩٠)، الأم (١/ ٩١)، الحاوي (٢/ ١٧٦)، (المدونة الكبرى (١/ ١٨٦)، المغني (١/ ٦٦٨).
(٨) ساقط من (ب). (بصر بعضهم على عورة البعض؛ لأن الستر يحصل به، ولكن الأولى لإمامهم أن يصلوا بجماعة أن يقوم).
(٩) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي: ١/ ٣٧.
(١٠) في (ب): زيادة حال المبسوط.
(١١) ساقط من (ب).
(١٢) ساقط من (ب).
(١٣) تعريف الإيماء: أن تُشير برأسك أو بيدك أو بعينك أو حاجبك. ينظر: المغرب (٢/ ٣٧٣).
(١٤) ينظر: الْبَحْرُ الرَّائِق (١/ ٢٩٠).
(١٥) هو: الحسن بن أبي الحسن أبو سعيد البصري، واسم أبيه يسار مولى زيد بن ثابت الأنصاري، وكان من سبي ميسان، واسم أمه خيرة مولاة أم سلمة، ولد الحسن لسنتين بقيتا من خلافة عمر وكان يوم الدار بن أربع عشرة سنة، واحتلم سنة سبع وثلاثين وخرج من المدينة ليالي صفين ولم يلق عليًّا، وقد أدرك بعض صفين ورأى عشرين ومائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما شافه بدريًّا قط إلا عثمان، وعثمان لم يشهد بدرًا. مات في شهر رجب سنة عشر ومائة وهو ابن تسع وثمانين سنة وكان يدلس وصلى عليه النضر بن عمرو المقرئ من حمير من أهل الشام، وكان الحسن من أفصح أهل البصرة لسانًا، وأجملهم وجهًا، وأعبدهم عبادة، وأحسنهم عشرة، وأنقاهم بدنا رحمة الله عليه.
ينظر: ثقات ابن حبان: ٤/ ١٢٢)، و (التاريخ الكبير: ٢/ ٢٨٩)، و (الجرح والتعديل: ٣/ ٤٠).
(١٦) ساقط من (ب). (عورة الإمام إلا أنا نقول: إنهم محتاجون في ذلك إلى أن يغضوا أبصارهم)
(١٧) في (ب): لقيام
(١٨) يُنْظَر: العناية شرح الهداية (١/ ٣٥٢)