للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحدهما: هو أنَّ القاطع قطع أصبعاً زائدة وليست له أصبع زائدة ولا وجه إلى قطع أصبع أخرى فلا يجب القصاص كمن قطع إبهام إنسان وليس له إبهام.

والثَّاني: أنَّ المساواة في القيمة شرط لجريان القصاص في الأطراف ولم توجد؛ لأنَّ قيمة الأصبع (١) الزائدة حكومة عدل، وقيمة أصبع غير زائدة أرش مقدَّر ولا مساواة بينهما في القيمة فكان بمنزلة الحر أو العبد قطع يد العبد وإن كان للقاطع أصبع زائدة فلا يجب القصاص لِعِلَّةٍ واحدة وهي أنَّ المساواة في القيمة قطعاً ويقيناً شرط ولم يوجد، لأنَّ الواجب في قطع الأصبع الزائدة حكومة عدل، وحكومة العدل إنَّما تُعرف بالقيمة، والقيمة [إنَّما] (٢) تُعرف من حيث الحرز والظن، ولهذا لم يجب القصاص في أطراف العبد (٣). (٤)

قوله: (لأَنَّهُ (٥) جُزْءٌ مِن يَدِهِ لَكِن لا مَنْفَعَةَ فِيهِ (٦).

فإن قلت: يشكل على هذا التَّعليل ما إذا كان على ذقن رجل شعيرات معدودة فأزالها آخر ولم ينبت مثلها لم يجب فيه حكومة عدل على ما ذكر قبل هذا في مسألة الشَّارب، وإن كان الشَّعر جزء من الآدمي بدليل أنَّه لا يحل الانتفاع بشعور الآدمي ولا بيعها؛ لأنَّها من أجزاء الآدمي [قلت: حكومة العدل لا تجب بمجرد إزالة جزء الآدمي] (٧) بل إنَّما تجب إذا بقي له أثر يشينه.

ألا ترى أنَّه لو قص ظفر غيره بغير إذنه لا يجب شيء؛ لأنَّ ذلك يشينه ولا يزينه وكذلك الشعيرات المعدودة في الذَّقن تشينه ولا تزينه (٨).

وأمَّا في قطع الأصبع الزائدة يبقى الأثر لا محالة بحيث يشينه مع أنَّها جزء الآدمي فلذلك وجبت حكومة العدل فيه.

[[السن الشاغية]]

(وَكَذَلِكَ السِّنُّ الشَاغِيَةُ (٩) أي: في قلعها أيضاً حكومة العدل (لِمَا قُلْنَا (١٠) وهو قوله: (لأنَّه جُزْءٌ مِن يَدِهِ (١١) والسِّن الشَّاغية أيضاً جزء من فمه فالسن الشاغية: هي الزائدة على الأسنان، وهي التي تخالف بنبتها نبتة (١٢) غيرها من الأسنان. يقال رجل أشغى وامرأة شغواء (١٣)، فإنَّها وإن كانت زائدة فهي نقصان [معنىً] (١٤) (١٥)، قال القائل: فإن الشغى نقص وإن كان زائداً (١٦).


(١) وفي (ب) (الأصابع).
(٢) زيادة في (ب).
(٣) وفي (ب) (العبيد).
(٤) يُنْظَر: تبيين الحقائق (٦/ ١٣٤، ١٣٥)، العناية شرح الهداية (١٥/ ٢٩٠).
(٥) أي: الأصبع الزائد.
(٦) الهداية شرح البداية (٤/ ١٨٤).
(٧) زيادة في (ب).
(٨) كذا في (أ) و (ب)، والصواب هو أن يقال: (لا يجب شيء؛ لأن ذلك يزينه ولا يشينه وكذلك الشعيرات المعدودة في الذقن تزينه ولا تشينه). كما في العناية شرح الهداية (١٥/ ٢٩٠)، وينظر: البناية شرح الهداية (١٣/ ١٩٩).
(٩) بداية المبتدي (٢٤٦).
(١٠) الهداية شرح البداية (٤/ ١٨٤).
(١١) الهداية شرح البداية (٤/ ١٨٤).
(١٢) وفي (ب) (نبت).
(١٣) يُنْظَر: الصحاح؛ للجوهري (٦/ ٢٤٣)، تاج العروس (٣٨/ ٣٨١).
(١٤) سقط في (ب).
(١٥) يُنْظَر: العناية شرح الهداية (١٥/ ٢٩٠، ٢٩١).
(١٦) والقائل: هو أبو الحسن علي بن محمد التِّهَامي الشاعر المشهور، المتوفى سنة (٤١٦ هـ)، وصدر البيت: (فلا تُعجبن ذا البخل كثرةُ ماله * فإن الشغى نقص وإن كان زائدا). يُنْظَر: ديوان علي بن محمد التهامي (٢٦٨).