للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أَقَلُّ النَّجَاسَةِ الَّتِي تَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ]

قَوْلُهُ -رحمه الله-: (وَقَدْرُ الدِّرْهَمِ وَمَا دُونَهُ) إِلَى أَنْ قَالَ -رحمه الله-: (جَازَتِ الصَّلَاةُ مَعَهُ) (١):

وَقَالَ فِي "الأسرار " (وَإِنْ كَانَتِ النَّجَاسَةُ دُونَهُ؛ لَا تَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ الصَّلَاةُ مَعَهَا) (٢)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: (قَلِيلُهَا، وَكَثِيرُهَا، سَوَاءٌ، تَمْنَعُ (٣) أَدَاءَ الصَّلَاةِ، إِلَّا مَا لَا تَأْخُذُهُ الْعَيْنُ (٤)، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الامْتِنَاعَ عَنْهُ، نَحْوَ [الذُّبَابِ] (٥) النَّجِسَةِ، يَقَعْنَ عَلَيْهِ، وَدَمِ الْبَرَاغِيثِ، سَقَطَ بِحُكْمِ الضَّرُورَةِ، وَبَقِيَتِ الزِّيَادَةُ (٦)، مُعْتَبَرَةٌ) (٧)،

وَفِي " الْمَبْسُوطِ ": (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ (٨) -رحمه الله-: إِذَا كَانَتِ النَّجَاسَةُ؛ بِحْيَثُ يَقَعُ الْبَصَرُ عَلَيْهَا، تَمْنَعُ (٩) جَوَازَ الصَّلَاةِ، لِأَنَّ الطَّهَارَةَ مِنَ النَّجَاسَةِ الْعَيْنِيَّةِ، شَرْطُ جَوَازِ الصَّلَاةِ، فَكَمَا أَنَّ الشَّرْطَ (١٠)؛ يَنْعَدِمُ بِالْقَلِيلِ مِنَ الْحَدَثِ، وَكَثِيرِهِ، فَكَذَلِكَ يَنْعَدِمُ بِالْقَلِيلِ مِنَ النَّجَاسَةِ، وَكَثِيرِهَا، وَحُجَّتُنَا مَا رَوَى عُمَرُ -رضي الله عنه-: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَلِيلِ النَّجَاسَةِ، فِي الثَّوْبِ، قَالَ: إِذَا كَانَ مُثْلَ ظُفْرِي فَهَذَا (١١) لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ (١٢). وَلِأَنَّ الْقَلِيلَ مِنَ النَّجَاسَةِ؛ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهَا؛ فَإِنَّ [الذُّبَابَ] (١٣)؛ يَقَعْنَ (١٤) عَلَى النَّجَاسَاتِ، ثُمَّ يَقَعْنَ (١٥) عَلَى ثِيَابِ الْمُصَلِّي، وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَلَى أَجْنِحَتِهِنَّ، وارْجُلِهِنَّ نَجَاسَةٌ، فَجَعَلَ الْقَلِيلَ عَفْوًا لِهَذَا؛ بِخِلَافِ الْحَدَثِ؛ فَإِنَّهُ لَا بَلْوَى فِي الْقَلِيلِ مِنْهُ، وَالْكَثِيرِ.


(١) يقول صاحب الهداية: (وقدر الدرهم وما دونه من النجس المغلظ كالدم والبول والخمر وخرء الدجاجة وبول الحمار جازت الصلاة معه). ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني" (١/ ٣٧).
وذهب آخرون من أهل العلم؛ إلى أنه لا يعفى عن يسير النجاسة خصوصاً الغائط أو البول، قال البهوتي في (كشاف القناع للبهوتي (١/ ١٩٠) (فصل: ولا يعفى عن يسير نجاسة ولو لم يدركها الطرف أي البصر، كالذي يعلق بأرجل ذباب ونحوه، لعموم قوله تعالى: [وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ] {المدثر: ٤}. فإن كان من سبيل لم يعف عنه لأنه في حكم البول أو الغائط)
وهذا القول الأخير هو الأحوط. وعليه، فينبغي لمن تنزل منه نقطة بول أو ودي أن لا يصلي بالثوب الذي أصابته حتى يغسل موضع النجاسة إن علمه، وإلا غسل الثوب كاملاً.
(٢) ينظر: " البناية شرح الهداية للعيني " (١/ ٧٢٤).
(٣) في (ب): (يمنع).
(٤) في (ب): (يأخذه اليقين).
(٥) في (أ): (الذبان) والصحيح ما أثبت من (ب).
(٦) في (ب): (الزيادة به).
(٧) انظر "الأسرار" للدبوسي: (١/ ٥٢٥) "مختصر المزني" (ص ٣١).
(٨) انظر في الفقه الشافعي: " عمدة السالك وعدة الناسك للرومي" (ص: ٩)، و " المنهاج القويم شرح المقدمة الحضرمية لابن حجر الهيتمي (ص: ١٥).
(٩) في (ب): (يمنع).
(١٠) الشرط في اللغة: إلزام الشيء والتزامه، والجمع شروط وشرائط وأشراط. انظر: لسان العرب لابن منظور (٧/ ٣٢٩) (مادة: شرط)، وفي الاصطلاح: عرفه ابن السبكي بقوله: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته. انظر: "حاشية البناني على شرح الجلال المحلي على متن جمع الجوامع، للبناني " (٢/ ٢٠)، "الفروق للكرابيسي " (١/ ٦٢)، تيسير التحرير للأمير بادشاه الحنفي (٢/ ١٢٠، ١٤٨).
(١١) (فهذا)، ساقطة من (ب).
(١٢) لا يعرف عن عمر -رضي الله عنهم- والثابت خلافه وهو ما أخرجه مسلم في صحيحه (ص ١٢٥) كتاب الطهارة باب وجوب استيعاب جميع أجزاء محل الطهارة، حديث رقم (٢٤٣) عن جابر -رضي الله عنه- قال: أخبرني عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، أن رجلا توضأ فترك موضع ظفر على قدمه فأبصره النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «ارجع فأحسن وضوءك» فرجع، ثم صلى.
(١٣) في (أ) وقعت بلفظ (الذبان) وهو خطأ، والمثبت من (ب): (الذباب). ينظر: "المبسوط" للسرخسي (١/ ٦٠).
(١٤) في (ب): (تقعن).
(١٥) في (ب): (تقعن).