للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[من أولى الناس بالإمامة]]

قوله (١): وأولى الناس بالإمامة أعلمهم بالسنة قال شيخ الإسلام (٢) في/ «المبسوط» (٣) قال: أيّ القوم أحب إليك؟ قال: أقرأهم لكتابه تعالى (٤)، فقال: ثم أعلمهم بالسنة، فإن كانوا سواء فأكبرهم سنًّا إلى آخره، ثم قال: فقد جمع محمد رحمه الله بين العلم والقراءة، وذكر في الخبر: أقرأهم ثم أعلمهم بالسنة.

قال بعض مشايخنا: الأمر على ظاهر الحديث حتى إذا كان إتيان أحدهما أقرأ لكتاب الله تعالى، والآخر أعلم بالسنة وليس في القراءة كصاحبه، فإن الأقرأ لكتاب الله تعالى أولى بالإمامة لظاهر الحديث، ولأن القراءة ركن في الصلاة يحتاج إليها لا محالة في الصلاة، والعلم بالسنة يحتاج إليه لما يبدو له من العوارض ليمكنه (٥) إصلاح صلاته، وربما تعرض، وربما لا تعرض فيكون الأقرأ أولى من العالم بالسنة، وبهذا التفسير روي عن أبي يوسف رحمه الله (٦)، وقال بعضهم: لا بل العالم بالسنة أولى من الأقرأ إذا أمكن للعالم (٧) قراءة ما يحتاج إليه في الصلاة؛ لأنه قدر على القراءة قدر ما يحتاج إليه في الصلاة، فإذا عرض له عارض أمكنه إصلاح صلاته، ومن (٨) قال: الأقرأ أولى كان ذلك في زمن النبي عليه السلام (٩). هكذا قال محمد رحمه الله في آثار أبي حنيفة (١٠) رحمه الله (١١)، وفي «المبسوط» (١٢) (١٣): القراءة يحتاج إليها في ركن واحد، والعلم يحتاج إليه في جميع الصلاة، والخطأ المفسد للصلاة لا يعرف إلا بالعلم، وإنما قدم الأقرأ في الحديث؛ لأنهم كانوا في ذلك (١٤) الوقت يتعلمون القرآن بأحكامه على ما روي أن عمر رضي الله عنه (١٥) حفظ سورة البقرة في ثنتي عشرة سنة (١٦)، فالأقرأ فيهم يكون أعلم، وأما في زماننا فقد يكون الرجل ماهرًا في القراءة ولا حظ له في العلم، فالأعلم بالسنة أولى إلا أن يكون ممن يطعن عليه في دينه فحينئذ لا يقدم؛ لأن الناس لا يرغبون في الاقتداء به؛ لقوله عليه السلام: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى، فإن كانوا سواء فأعلمهم بالسنة» (١٧) وأقرأهم كان أعلمهم إلى آخره.


(١) بياض في (أ).
(٢) هو: مُحَمَّد بن الحسن بن فرقد، من موالي بني شيبان، أبو عبدالله، إمام بالفقه والأصول، وهو الذي نشر علم أبي حنيفة، أصله من قرية حرستة، في غوطة دمشق، وولد بواسط، ونشأ بالكوفة، فسمع من أبي حَنِيفَةَ وغَلَبَ عليهِ مذهبه وعُرف به، وانتقل إلى بغداد، فولاه الرشيد القضاء بالرقة ثُمَّ عزله، ولما خرج الرشيد إلى خراسان صحبه، فمات في الري، قال الشَّافِعِي: (لو أشاء أن أقول نزل القرآن بلغة مُحَمَّد بن الحسن، لقلت، لفصاحته) ونعته الخطيب البغدادي بإمام أهل الرأي، له كتبٌ كثيرة في الفقه والاصول، منها (المَبْسُوط) في فروع الفقه، و (الزيادات) و (الجامع الكبير)، و (الجامع الصغير)، و (الآثار)، و (السير) توفي بالري سنة (١٨٩ هـ). يُنْظَر: تاج التراجم (١/ ١٨)، تاريخ بغداد (٢/ ١٧٢)، طبقات الحنفية (٢/ ٤٢).
(٣) يُنْظَر: المبسوط للشيباني: ١/ ٢٠.
(٤) في (ب): بكتاب الله تعالى وأعلمهم بالسنة. والصحيح ماأثبته لموافقته للسياق والله اعلم
(٥) في (ب): لتمكنه. والصحيح ماأثبته لموافقته للسياق والله اعلم
(٦) هو: يعقوب بن ابراهيم بن حبيب الأنصاري، الكوفي، البغدادي (أبو يوسف) فقيه، أصولي، مجتهد، محدث، حافظ، عالم بالتفسير والمغازي وأيام العرب. ولد بالكوفة، وتفقه على أبي حنيفة، وسمع من عطاء بن السائب وطبقته، وروى عنه محمد بن الحسن الشيباني وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين، وولي القضاء ببغداد، وتوفي ببغداد لخمس خلون من ربيع الآخر. من آثاره: كتاب الخراج، المبسوط في فروع الفقه الحنفي ويسمى بالاصل، كتاب في أدب القاضي على مذهب أبي حنيفة، وأمال في الفقه (التاريخ الكبير: ٨/ ٣٩٧)، و (الجرح والتعديل: ٩/ ٢٠١)، و (تاريخ بغداد: ١٤/ ٢٤٢).
(٧) في (ب): العالم.
(٨) في الأصل: وما. والصحيح ما أثبته لموافقته للسياق والله أعلم.
(٩) يُنْظَر: العناية شرح الهداية: ١/ ٣٤٦.
(١٠) كتاب آثار ابي حنيفة لمحمد بن الحسن الشيباني مطبوع بدار الكتب العلمية بتحقيق الشيخ ابو الوفا الافغاني.
(١١) هو: النعمان بن ثابت، التيمي بالولاء، الكوفي، أبو حنيفة: إمام الحنفية، الفقيه المجتهد المحقق، أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة. قيل: أصله من أبناء فارس. ولد سنة ٨٠ هـ ونشأ بالكوفة. وأراده عمر بن هبيرة (أمير العراقين) على القضاء، فامتنع ورعا. وأراده المنصور العباسي بعد ذلك على القضاء ببغداد، فأبى، فحلف عليه ليفعلن، فحلف أبو حنيفة أنه لا يفعل، فحبسه إلى أن مات سنة ١٥٠ هـ.
يُنْظَر: (تاريخ بغداد: ١٣/ ٣٢٣)، و (سير أعلام النبلاء: ٦/ ٣٩٠)، و (شذرات الذهب: ١/ ٢٢٧).
(١٢) المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي لشمس الدين أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي (ت ٤٩٠ هـ) دراسة وتحقيق: خليل محي الدين الميس الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان. الطبعة الأولى، ١٤٢١ هـ ٢٠٠٠ م
(١٣) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي: ١/ ٧٤.
(١٤) ساقط من (ب).
(١٥) عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي العدوي، أبو حفص أمير المؤمنين، ولد بعد الفيل بثلاث عشرة سنة. أسلم بمكة قديمًا، وهاجر إلى المدينة قبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وشهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وولي الخلافة عشر سنين وخمسة أشهر، وقتل يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة وهو أول من اتخذ الدرة.
الثقات لابن حبان (٢/ ١٩٠)، التاريخ الكبير: ٦/ ١٣٨)، الإصابة في تمييز الصحابة (٤/ ٥٨٨).
(١٦) أخرجه الإمام البيهقي في شعب الإيمان، تعظيم القرآن، فصل: في تعلم القرآن (٣/ ٣٤٦) رقم الأثر: ١٨٠٥. وفي سند الأثر أبي بلال الأشعري قال عنه الدارقطني في سننه: أبو بلال الأشعري هذا ضعيف (١/ ٤١٠).
(١٧) رواه مسلم في صحيحه (كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب من أحق بالإمامة ٦٧٣)، من حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه.