للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثاني: في حق المحاباة الفاحشة بين الموْلَى وبين الأجنبي، حيث لا يجوز بيعه من الأجنبي مع المحاباة الفاحشة أصلًا عندهما، ويجوز بيعه من الموْلَى مع المحاباة الفاحشة، ولكن يُؤمر الموْلَى بإزالة المحاباة، ههنا أيضًا كما في اليسيرة؛ وفي بعض النُّسخ، وهذان الفرقان على الإفراد، ولكن الأول أصح (١)؛ لوجود هذين الفرقين على قولهما، وكونه مُثبتًا في النسخ المصححة.

وأما على أصل أبي حنيفة (٢) - رحمه الله- فلا يحتاج إلى هذا الفرق؛ لأنه لا يجوز بيعه من الموْلَى بنوعي المحاباة أصلًا، على ما هو اختيار رواية الكتاب (٣)، وقد ذكرناه.

[بطلان الثمن قبل قبضه إذا باع الموْلَى من عبده]

فإن سلَّم إليه قبل قبضه الثمن بطل الثمن، هذا إذا باع الموْلَى من عبده المديون شيئًا، وأما إذا باع العبد المديون من مولاه شيئًا، وسلَّم المبيع إلى الموْلَى قبل أن يأخذ الثمن من الموْلَى فلا يسقط الثمن عن الموْلَى؛ لأنه يجوز أن يثبت للعبد المأذون المديون على مولاه دين، ألا ترى أنه لو استهلك الموْلَى شيئًا من أكساب عبده في هذه الحالة ضَمِن مثله للعبد، ولما كان كذلك لا يسقط الثمن من مولاه كما لا يسقط الثمن عن المشتري الأجنبي، كذا في «المغني» (٤).

[إذا كان المبيع قائما في يد العبد فللموْلَى أن يستردَّه]

ثم قوله: (بطل الثمن عند تسليم الموْلَى المبيع) جواب ظاهر الرواية (٥)، (وعن أبي يوسف (٦) -رحمه الله- قال هذا إذا استهلك العبد المقبوض، فأما إذا كان المبيع قائمًا في يده فللموْلَى أن يستردَّه حتى يستوفي الثمن من العبد؛ لأن الموْلَى إنما أسقط حقه من العبد بشرط أن يُسلِّم له الثمن، ولم يسلِّم، فيبقى حقه في العين على حاله، ويتمكن من استرداده ما بقيت العين؛ لأنه يجوز أن يكون مِلْك العين في يد عبده، فكذلك يجوز أن يكون له ملك اليد فيه، فأما بعد الاستهلاك صار دينًا فوجه ظاهر الرواية ما ذكره في الكتاب (٧). كذا في باب العبد المأذون يدفع إليه مولاه مالًا من مأذون «المبسوط» (٨).


(١) قال البابرتي: (وَالْمُرَادُ بِالْفَرْقَيْنِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَوْلَى وَالْأَجْنَبِيِّ فِي حَقِّ الْمُحَابَاةِ الْيَسِيرَةِ حَيْثُ يُؤْمَرُ الْمَوْلَى بِإِزَالَتِهَا دُونَ الْأَجْنَبِيِّ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي الْكَثِيرَةِ حَيْثُ لَا تَجُوزُ عِنْدَهُمَا مَعَ الْأَجْنَبِيِّ أَصْلًا وَتَجُوزُ مَعَ الْمَوْلَى وَيُؤْمَرُ بِالْإِزَالَةِ) العناية شرح الهداية (٩/ ٣٠٣).
(٢) انظر: العناية شرح الهداية (٩/ ٣٠٣)، حاشية ابن عابدين (٦/ ١٥٩).
(٣) انظر: مختصر القدوري (١/ ١٤١)، بداية المبتدي (ص: ٢٠٤).
(٤) انظر: فتاوى قاض خان (٣/ ٥٨٧)، تبيين الحقائق (٥/ ٢١٥).
(٥) انظر: المبسوط للشيباني (٩/ ١٤٥)، بدائع الصنائع (٧/ ١٩٥)، الاختيار (٢/ ١٠٤).
(٦) انظر: البحر الرائق (٨/ ١١٦)، مجمع الأنهر (٢/ ٤٥٢).
(٧) وجه ظاهر الرواية: (لأن حق المولى في العين من حيث الحبس، فلو بقي بعد سقوطه يبقى في الدين ولا يستوجبه المولى على عبده). الهداية (٤/ ٢٩٣).
(٨) للسرخسي (٢٥/ ٧١).