للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[سكوت المرتهن عند بيع الراهن]]

وأما مسألة الرهن: فإنَّا لو لم يثبت الإذن حتى أبطل المرتهن البيع، يبطل ملك الراهن عن الثمن ملكًا موقوفًا (١)، فإن بيع المرهون موقوف على ظاهر الرواية (٢) ولو أثبتنا الإجازة على المرتهن أبطلنا ملك المرتهن عن اليد ملكًا تامًّا، وعسى لا يصل إلى يده من محل آخر وكان ضرر المرتهن أقوى؛ فلذلك لم تثبت الإجازة بالسكوت (٣).

[سكوت الموْلَى عند تزوج العبد]

وأما مسألة تزوج العبد: فإنا لو أثبتنا الإذن تتضرر المرأة بزوال ملكها عن منافع نصفها للحال، وهي في حكم العين؛ ولو لم يثبت الإذن يتضرر العبد ضررًا موهومًا، فإن ضرر العبد في أن يدخل بها على حسبان أن المالك أجازه، وأنه موهوم فكان الترجيح لجانب المرأة ولم يقل بالإجازة، وكذلك لم يُجعل السكوت رضًا في إتلاف المال؛ لأن الضرر هناك يتحقق في الحال، وسكوته لا يكون دليل التزام الضرر حقيقة؛ ولأنه لا حاجة إلى تعيين جانب الرضا هناك لدفع الضرر والغرور عن المتلِف، وهو ملتزم للضرر بإقدامه على إتلاف المال، وهو موجب للضمان بنفسه حقيقة بخلاف ما نحن فيه (٤).

وأما قوله: (السكوت محتمل فقلنا: نعم كذلك؛ ولكن دليل العُرف (٥) يُرَجِّح جانب الرضا، فالعادة أن من لا يرضى بتصرف عبده يظهر النهي إذا رآه يتصرف، ويؤدبه على ذلك؛ وربما يستحق ذلك عليه (٦) شرعًا لدفع الضرر والغرور؛ فبهذا الدليل رجَّحنا جانب الرضا، كما في سكوت البكر، وكما في سكوت الشفيع يُرَجَّح جانب الرضا لدفع الضرر عن المشتري والبكر) هذه فوائد مجموعة من «المبسوط» (٧) و «الذخيرة» (٨) و «الإيضاح» (٩).


(١) الموقوف: مشروع بأصله ووصفه ويفيد الملك على سبيل التوقف ولا يفيد تمامه لتعلق حق الغير. أنيس الفقهاء (ص: ٧٥).
(٢) انظر: المبسوط للشيباني (٢/ ٤٣٧)، بدائع الصنائع (٤/ ٢٠٨)، الاختيار (٢/ ٨).
(٣) انظر: العناية شرح الهداية (٩/ ٢٨٤)، فتح القدير (٩/ ٢٨٧).
(٤) انظر: المبسوط للسرخسي (٢٥/ ١٣)، فتح القدير (٩/ ٢٨٧).
(٥) الْعُرْفُ لُغَةً: ضِدُّ النُّكْرِ، يُقَالُ: أَوْلَاهُ عُرْفًا أَيْ مَعْرُوفًا. الصحاح مادة (ع ر ف) (٤/ ١٤٠١)، اصطلاحًا: ما يعرفه الناس ويتعارفونه فيما بينهم، وهو ما استقرت النفوس عليه بشهادة العقول، وتلقته الطبائع بالقبول. قواطع الأدلة (١/ ٢٩)، التعريفات (ص: ١٤٩).
(٦) في (أ) وَ (ع) زيادة (ذلك) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.
(٧) للسرخسي (٢٥/ ١٣).
(٨) انظر: تحفة الفقهاء (٣/ ٢٨٧)، الاختيار (٢/ ١٠٠).
(٩) انظر: بدائع الصنائع (٧/ ١٩٢ - ١٩٣)، مجمع الأنهر (٢/ ٤٤٦).