للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

باب الماء الذي يجوز به الوضوء (١)

(الطَّهَارَةُ مِنْ الْأَحْدَاثِ جَائِزَةٌ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَالْأَوْدِيَةِ وَالْعُيُونِ وَالْآبَارِ وَالْبِحَارِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} وَقَوْلُهُ -عَلَيْه الصَّلاة والسَّلام-: «وَالْمَاءُ طَهُورٌ لا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلا مَا غَيَّرَ لَوْنَهُ أَوْ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ» وَقَوْلُهُ -عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- فِي الْبَحْرِ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ وَالْحِلُّ مَيْتَتُهُ» وَمُطْلَقُ الاسْمِ يَنْطَلِقُ عَلَى هَذِهِ الْمِيَاهِ.

لما ذكر الوضوء والغسل وتقسيمها من الفرض والسنة والاستحباب وموجبهما وما ينقضهما احتاج إلى ذكر الآلة التي هما يحصلان بها بطريق الأصالة وهي الماء المطلق.

قال الشيخ: لم يذكر الماء في آية الوضوء في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: ٦]، فكيف لقب هذا الباب بالماء الذي يجوز به الوضوء؟

ثم قال: إن لم يذكر في آية الوضوء ذكره في آية التيمم وهو خلفه فكان ذكره فيها ذكرًا في الأصل فصار كأنه قال: فاغسلوا بالماء وجوهكم، أو هو مذكور في الأصل يقتضي الغسل؛ إذ الغسل المطلق ينصرف إلى الماء.

- قوله: (الطهارة من الأحداث) ذكر الأحداث لا للتخصيص لأنه لما كان الماء مزيلاً للحدث كان مزيلاً للنجس الحقيقي بالطريق الأولى لما يذكر لكن لما سبق ذكر الوضوء والغسل ذكر الآلة التي هما تحصلان به، وليس ذلك إلا بإزالة الأحداث.

ثم وجه التمسك بقوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: ٤٨] في حق ماء السماء والأودية ظاهر، وأما في حق ماء العيون والآبار فإما أن أصل المياه كلها من السماء لقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ} [الزمر: ٢١] أو يصرف وجه تمسك الآية إلى ماء السماء ويصرف وجه تمسك قوله -عليه السلام-: «الْمَاءُ طَهُورٌ» (٢). إلى غيره.

وقال الشيخ: كون الماء مطهرًا لغيره لا لأن الطهور بمعنى المطهر بل عُلم ذلك بسبب العدول عن صيغة الطاهر إلى صيغة الطهور التي هي للمبالغة في ذلك الفعل كالغفور والشكور فيهما مبالغة ما ليس في الغافر والشاكر، ولن تكون تلك المبالغة في طهارة الماء إلا باعتبار أنه يطهر غيره؛ لأن في نفس الطهارة [كلتا] (٣) الصيغتين سيان فلا بد من معنى زائد في الطهور ليس هو في الطاهر ولا ذلك إلا بالتطهير لا أن الطهور جاء بمعنى المطهر؛ لأنه من طَهرُ الشيءُ وهو لازم فلا يستفاد منه التعدي.


(١) باب الماء الذي يجوز به الوضوء وما لا يجوز به. هكذا ورد في الهداية (١/ ٤١).
(٢) الحديث عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قيل: يا رسول الله، أيتوضأ من بئر بضاعة قال: هي بئر يُلقى فيها الحيض ولحكم الطلاب والنتن، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الْمَاءُ طَهُورٌ لا يُنَجِّسُهُ شيء». رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (١/ ١٣١) باب من قال الماء طهور لا ينجسه شيء. ورواه أحمد في المسند (١٧/ ٣٥٩) برقم (١٥٠٥) طبع الرسالة. ورواه أبو داود في سننه (١/ ٢٤) برقم (٦٦) باب ما جاء في بئر بضاعة، ورواه الترم ١ ي في سنه (١/ ١٢٢) برقم (٦٦) رورواه النسائي في سننه (١/ ١٧٤) برقم (٣٢٦) باب ذكر بئر بضاعة. وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير (١/ ٣٩٠) برقم (١٩٢٥).
(٣) في (ب) «كلتي».