للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي هذهِ المسألةِ السببُ إدراكُ العِدَّةِ، أي: السببُ المُوجِبُ للأداءِ، وبهذا اللِفظُ صّرحَ في «المَبْسُوط» (١)، فقالَ: بعدما ذَكَرَ قولَ الطَّحَاوِيُّ (٢) بقولهِ: وهذا وَهْمٌ مِن الطَّحَاوِيٍّ، فإنَّ هذا (الخلافَ في النذرِ)، والفرقُ لأبي حنيفةَ، وأبي يوسفَ (٣) أنَّ هناكَ السببُ هو النذرُ إِلاَّ أنهُ ليسَ للمريضِ ذمةٌ صحيحةٌ في التزامِ أداءِ الصَّوْم حتى يبرأَ، فعندَ البرءِ يصيرُ كالمُجددِ للنذْرِ والصحيحُ: إذا قالَ: لله عليَّ أنْ أصومَ شَهرًا، ثُمَّ ماتَ بعدَ يومٍ فعليهِ قضاءُ جميعِ الشهرِ، وهاهنا السببُ الموجبُ للأداءِ إدراكُ عِدَّةٍ منْ أيامٍ أُخَر، فلا يلزمُهُ القضاءُ إِلاَّ بقدَرِ ما أدَركَ، وقضاءُ رمضانَ إنْ شاءَ فَرَّقَهُ، وإنْ شاءَ تابَعهُ لإطلاقِ النصِّ، فإنْ قلتَ: كيفَ اعتبرتُمْ، قراءةَ ابنِ مسعودٍ في صفةِ التتابعِ في كَفارةِ اليمين (٤)، وأوجبتُم متتابعًا، ولم يعتبروا قراءةَ أُبَيّ -رضي الله عنه- (٥) في قضاءِ رمضانَ مع أنّهُ قراء قولهِ تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (٦) متتابعات.

[مسألة التتابع في قضاء الصَّوْم]

قلت: الفرقُ بينهما مِنْ وجهين: أحدُهما أنَّ قراءة أُبَي لم تشتهْر فيما بينَ السلفِ اشتهارَ قراءةِ عبدِاللهِ ابنِ مسعودٍ، فصارتْ بمنزلةِ خَبَرِ الواحِدِ، وبمثلهِ لا تجوزُ الزيادةُ على كتابِ الله تعالى، وقراءةُ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ كانتْ مشهورةً (٧) إلى زمنِ أبي حنيفةَ -رحمه الله- حتى كانَ سليمانُ الأعمشُ يقرأُ حتمًا على حَرْفِ ابنِ مسعودٍ، والزيادةُ تثبتُ بالخبرِ المشهورِ فكذا بالقراءةِ المشهورةِ.


(١) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ١٦٣).
(٢) يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (١/ ٣٣٤).
(٣) يُنْظَر: المَبْسُوط (٣/ ١٦٣)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (١/ ٣٣٤).
(٤) أخرجه عنه عبدالرزاق في مصنفه، باب صيام ثلاثة أيام وتقديم التكفير، (٨/ ٥١٣)، والْبَيْهَقِي في سننه، باب التتابع في صوم التكفير، (١٠/ ٦٠).
(٥) أخرجه مالك في الموطأ، باب ما جاء في قضاء رمضان والكفارات (١/ ٤٠٩)، وعبدالرزاق في مصنفه، باب صيام ثلاثة أيام وتقديم التكفير، (٨/ ٥١٤)، تفسير الطبري (١٠/ ٥٦٠)، تفسير ابن كثير (٣/ ١٧٧).
(٦) سورة البقرة الآية (١٤٨).
(٧) يُنْظَر: الهِدَايَة (٢/ ٧٤)، الاستذكار (٣/ ٣٥٠)، الْحَاوِي (١١/ ٣٦٣)، الْمُغْنِي (١١/ ٢٧٤).